يُصور الفيلم السينمائي المشهور (تايتانيك) الصراع الشرس بين الطبقات في المجتمعات الغربية، فأُم الفتاة الحسناء (روز) تتوسل لابنتها بأقوى العبارات لإقناعها بالزواج من خطيبها رجل البنوك المُمل المُتيم بحبها: (..لا أُريدكِ يا روز أن تعيشي قسوة الحياة التي مررتُ بها قبل زواجي من أبيك)، بينما تعلق قلب الفتاة بالشاب الظريف المُعدم (جاك) الذي فاز بتذكرة السفر في التايتانيك إلى العالم الجديد عبر القرعة. في عام 1989م كان لي جار بريطاني في السكن الجامعي بمدينة أُكسفورد، اسمه عبدالله، ينحدر من ما يوصف بالطبقة العليا في لندن ثم اعتنق الإسلام وفارق عالم الترف وانتقل إلى جامعة أكسفورد لدراسة التاريخ وتزوج من فتاة باكستانية وصارا يتنقلان معاً في دراجتين هوائيتين إلى الجامعة، وكذلك إلى المسجد للصلاة يوم الجمعة.
سألته عن تفسير العلاقة بين الدراجتين الهوائيتين وسيارة الجاقوار الفارهة التي تقف عند بابه كل يوم سبت وتترجل منها امرأة طاعنة في السن لتأخذ أطفاله إلى السوق ثم تعود بهم مساءً وهم مُحملين بالهدايا، فقال إن هذه هي أُمه، وأنها لا تزال على دين آبائها رغم جهوده نحو إقناعها بالإسلام.
وأضاف أنه كان في السنة الأخيرة من قسم إدارة الأعمال في جامعة لندن عندما هداه الله للإسلام، وأن أُمه صُدمت وتأثرت تأثراً شديداً وكانت تقول له (لقد كنا نأمل فيك أن تكون رجلاً مصرفياً مشهوراً)، ثم استشهد بقوله تعالى (لقد كنت فينا مرجواً قبل هذا). كانت أُمه تحمل فكراً نمطياً غربياً جسده فيلم التايتانك في شخصية أم (روز). لا شيء يستفز عبدالله مثل كلمة: تنمية اقتصادية.
كان يُرددها بسخرية بالغة ويقول (إلى متى هذه التنمية؟ وإلى متى هذا التنافس المحموم بين الأفراد وبين الطبقات وبين الدول؟ ألا يوجد بديل أكثر إنسانية لهذه العبارة؟).
في تلك الفترة كانت ثاتشر تزهو بسحقها النقابات وتحرير الاقتصاد في بريطانيا، بينما كانت قاطرة التنمية الاقتصادية اليابانية تتهادى برتابة، وبعد سنتين أي في عام 1991م توقفت تماماً، وتجمد الناتج القومي الياباني.
وفي البداية سعى المسؤولون اليابانيون إلى البحث عن حلول ثم استسلموا للتفسير الهيكلي الذي يوحي بأن توقف قطار التنمية الاقتصادية في بلادهم سيستمر، وأن مُصطلح التنمية الاقتصادية يجب أن يختفي من قاموسهم نحو بدائل أُخرى مثل: الرفاهية والسعادة وإعادة توزيع الثروة بين الطبقات. كان (أبو عبدالله) سابقاً لزمانه بعشرين سنة.
إن الله عز وجل إنما استخلفنا في الأرض لعمارتها وليس لاستنزاف كنوزها وتلويث هوائها من أجل إرواء شغف النصر في حرب الطبقات والفوز في سباق ما يسمى بالتنمية الاقتصادية.