يقوم عدد من كبار رجال الأعمال من وقت لآخر وعبر وسائل الإعلام المختلفة بتوجيه كامل اللوم إلى مؤسسات التعليم العالي، متهمينها بأنها لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات في سوق العمل، وأن مخرجاتها لا تناسب حاجة السوق.
وفي الحقيقة، لو أن مثل هذا اللوم وهذا الاتهام لمؤسسات التعليم العالي موجه من أي رجل أعمال صغير لا صفه لهم، لهان الأمر، ولكن أن يأتي هذا الاتهام من قبل رجال أعمال كبار، فهذا ما لا يمكن تقبله. حيث إن إطلاق مثل هذا الاتهام جزافاً لمؤسسات التعليم العالي إنما يعني حث رجال الأعمال في المملكة على عدم توظيف شبابنا وبناتنا خريجي الجامعات لعدم اقتناع هؤلاء التجار بكفاءاتهم، كما يعني ذلك تفضيلهم للعمالة الوافدة لا لشيء سوى لرخص تكلفتها، ولقد كان على أمثال هؤلاء التجار وقبل أن ينالوا من مؤسسات التعليم العالي أن يطلعوا على الكثير من المستجدات الإيجابية الهيكلية والمنهجية التي شهدتها الجامعات السعودية خلال السنوات القليلة الماضية.
فهل يعلم هؤلاء التجار بأن عدد الجامعات السعودية ارتفع خلال العشر سنوات الماضية من ثمان إلى ثلاث وعشرين جامعة، وأن الجامعات الجديدة (15 جامعة) تحتضن أكثر من (250) كلية جديدة جميعها تركز على تخصصات متوائمة مع حاجة سوق العمل.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن كافة الجامعات في المملكة قد تم إعادة هيكلتها لتكون مخرجاتها موائمة لسوق العمل، وهل يعلمون أن الكليات والأقسام العلمية بالجامعات تقوم بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل قبل اعتماد أي خطة أو منهجية لتلك الأقسام والكليات. وهل يعلمون بأن وزير العمل ووزير الخدمة المدنية أعضاء في مجلس التعليم العالي وأنهما لا يوافقان على إنشاء أي كليات أو تخصصات جديدة ما لم تكن ملبية لحاجة سوق العمل.
وهل يعلمون بأن هناك لجنة تم إنشاؤها منذ عدة سنوات في مجلس التعليم العالي ممثلة بوكلاء الوزارات الأعضاء في المجلس، وأن مهمة هذه اللجنة التأكد من حاجة سوق العمل لأي كلية أو تخصص جديد.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن الجامعات السعودية بدأت خلال السنوات القليلة الماضية بإدراج السنة التحضيرية لجميع طلبة الجامعات، حيث يدرّس فيها ما يحتاجه سوق العمل من لغات أجنبية ومهارات الحاسب ومواد عن أخلاقيات العمل.
وهل يعلمون بأن العشر سنوات الماضية شهدت إنشاء حوالي عشر جامعات أهلية وأكثر من أربعين كلية جميعها تقدم برامج وتخصصات تتواءم مع حاجة سوق العمل.
وهل يعلمون بأن الدولة - حفظها الله - ابتعثت خلال الست سنوات الماضية أكثر من مائة ألف مبتعث ومبتعثة للخارج جميعهم في تخصصات يحتاجها السوق، وسنرى إن كان هؤلاء التجار سيتيحون لهم الفرصة لأبناء وبنات الوطن بالعمل لديهم أم أن استمرار توظيف العمالة الأجنبية الرخيصة والأقل تكلفة سيكون هو المسيطر عليهم.