لا حديث للشارع السعودي هذه الأيام إلا عن خروج منتخبنا الوطني لكرة القدم من تصفيات قارة آسيا. والحديث مشروع، خاصة أننا بالغنا كثيراً في أحلامنا، وفي قدرات اللاعبين وإمكاناتهم، وضحكنا على أنفسنا عبر وسائل الإعلام المختلفة بأننا نملك أقوى دوري عربي، وأفضل المواهب وملايين الريالات التي تضخها شركات الاتصالات في شرايين الأندية؛ لتتمكن من إيجاد لاعبين سعوديين على مستوى يليق بسمعتنا ومكانتنا.. أما وقد وقع الفأس في الرأس، واستبان القوم وَقْع الكارثة فإنه من المفيد أن نناقش الأمر بهدوء ودون ضجيج، وبموضوعية تامة. لقد ساهم إعلامنا الرياضي المتعصب وغير الموضوعي بقدر غير هيّن في خداع الجماهير عن طريق المبالغة في قدرات اللاعبين وإمكاناتهم الفنية، مع أن المتابع المنصف يعرف أن مهاجماً واحداً من الحاليين ليس في مستوى (ماجد عبدالله أو الثنيان أو حمزة إدريس أو سامي الجابر)، وقس على البقية، قارنوا بين اللاعبين الحاليين، وفي كل المراكز، ومَنْ حققوا لنا البطولات، فلا يوجد لاعب كالنعيمة أو عبدالجواد أو أحمد جميل ولا كفؤاد أنور وصالح خليفة أو كالدعيع؛ ينبغي ألا تنسينا مرارة الهزيمة النظرة الموضوعية للأمور؛ إذ لا يوجد لدينا لاعبٌ بإمكانه الاحتراف الخارجي مع أن أقل الدول مستوى كروياً لديها لاعبٌ أو لاعبان يلعبان في ناديَيْن عالميَّيْن؛ من هنا ينبغي التعاطي مع الواقع الكروي بروية؛ فجيل اليوم من اللاعبين ليس جيل بطولات ومنصات تتويج؛ لأنه ببساطة لا يملك أدوات الفوز ولا ثقافة الفوز.. وأظن أن المسؤولين عن الكرة لم يتعاملوا مع هذا الواقع ليحاولوا معالجته، مع أن كل المعطيات كانت تؤكد أن الكرة السعودية منذ هزيمة ألمانيا المريرة تدل على تقهقر الكرة السعودية، وأنها فقدت هيبتها على المستويَيْن المحلي والقاري، ويبدو لي أن نظام الاحتراف لدينا لم يساهم في رقي اللعبة كما يفترض، بل ساهم في ولادة جيل من اللاعبين، كل همهم ركوب السيارات الفخمة وتوقيع العقود بالملايين من الريالات. لقد ساهمت المادة في تدمير اللاعبين فعلاً بدلاً من أن تكون حافزاً لهم على تطوير مهاراتهم؛ لذا رأينا كيف يتحول اللاعبون السعوديون إلى لدائن رخوة أمام المنافسين، يخشون الالتحام والقتال على الكرة خوف الإصابة التي قد تبعدهم عن الملايين التي يقدمها لهم مسؤولو الأندية. وفي تقديري الشخصي بوصفي رياضياً قديماً بشهادة نجمَيْن سابقَيْن من نجوم المنتخب الذهبي (فهد الهريفي وحسين البيشي)، زاملتهما في نادي النخيل، أن انتشال الكرة السعودية من وضعها الحالي المتعثر لن يتحقق ما لم نُعِد النظر في نظام الاحتراف وفي عمل اللجان التي لم تقدم ما يشفع لها بالبقاء. نحن بحاجة إلى عقليات كروية متطورة؛ فليس كل لاعب أو إداري سابق يصلح لأن يكون عضواً أو مشرفاً، المهم ما يختزنه من أفكار ورؤى تساهم في تطور الكرة لدينا، وينبغي ألا يفوتنا أننا لسنا وحدنا الذين نعمل؛ الآخرون أيضاً يعملون وبقدر حجم واحترافية العمل تكون النتائج، وعلينا أن نبحث عن لاعبين موهوبين لم تدمرهم المادة؛ فالجيل الحالي ليس جيل بطولات ومنصات تتويج ولا يملك ثقافة الفوز! نصيحتي لمسؤولي الأندية، وبعد أن اتضحت لهم قدرات لاعبيهم، ألا يبالغوا في عقودهم المليونيرية، وإذا كان لديهم فائضٌ من المال فخير لهم أن يقدموه للجمعيات الخيرية والإنسانية بدلاً من أن يقدموه للاعبين عاديين لا يستحقونها.. والله المستعان!!