ليس هناك أكثر ضرراً على الأمن، المجتمع، والاقتصاد من البطالة والتضخم؛ فهما كالسرطان الصامت الذي ينتشر في أعضاء الجسم غير الحسية، فلا تُكتشف خطورته إلا حين يصبح العلاج مستحيلاً.
لأكثر من عشرين عاماً ونحن نحاول مكافحة البطالة ووضع برامج خاصة للسعودة والإحلال، والنتائج ما زالت عكسية؛ ارتفعت نسبة البطالة بين الشباب والشابات، وزاد حجم العمالة الوافدة حتى تجاوز عددها 7 ملايين عامل. توظيف السعوديين لا يحتاج إلا إلى حصر الوظائف المناسبة لهم، والمشغولة بأجانب، وتنفيذ خطة الإحلال المباشر؛ خفض حجم العمالة الوافدة بنسبة 10 في المائة يمكن أن يوفر أكثر من 700 ألف وظيفة، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى 600 ألف وظيفة للقضاء على البطالة.
التركيز على الوظائف المتوسطة والعليا يحقق هدف الإحلال بسهولة. تُشير التقديرات غير الرسمية إلى أن قطاع التجزئة يضم أكثر من 600 ألف فرصة عمل مهدرة، وهي فرص يمكن استغلالها لإطفاء بطالة السعوديين من الجنسين. عُذر متطلبات سوق العمل لم يعد مقبولاً مع وجود العمالة الرديئة التي تدخل السوق للتعلم وتخرج منه بشهادات خبرة تؤهلها للعمل في دول العالم؛ غالبية تلك العمالة تجد فرصتها لدى الشركات الضخمة من خلال عقود التشغيل في الوقت الذي توضع فيه العراقيل أمام توظيف السعوديين لأسباب متفرقة!!. تجربة أرامكو السعودية مع توظيف السعوديين الأميين في منتصف القرن الماضي، يجب أن تُطرح أمام كل من يحاول وضع العقبات في طريق برامج السعودة. لم تشترط أرامكو شهادات عليا على طالبي العمل، ولا خبرات مسبقة بل اعتمدت على عمر الموظف كمعيار لقبوله، ومن ثم بدأت تعليمهم، وتدريبهم على رأس العمل. نجحت أرامكو مع السعوديين الأميين في الستينات الميلادية من القرن الماضي، فكيف تفشل شركاتنا مع خريجي الجامعات، المعاهد، والثانوية العامة!.
لا مناص من تطبيق برامج الإحلال العاجل للعاطلين.
حصر عدد العاطلين، وتصنيفهم بحسب المناطق والمدن، ومستوى التعليم والخبرات يسهل عملية البحث عن الوظائف المناسبة لهم، التي يمكن الوصول إليها من خلال مسح ميداني لحصر الوظائف المشغولة بالأجانب وتطبيق برامج الإحلال. إضافة إلى ذلك فحجب 110 ألف وظيفة حكومية يعني تكريساً لمشكلة البطالة، وتجاهلاً من بعض الإدارات الحكومية في التفاعل الإيجابي مع مشكلة البطالة، والمساهمة في حلها بتعيين السعوديين على الوظائف المحجوبة.
استغلال الوظائف المحجوبة تعني خفض عدد العاطلين بنسبة 18 في المائة. لم تعد البطالة من المشكلات التي يمكن التعايش معها، بل أصبحت قضية شائكة تهدد الأمن، الاقتصاد، والمجتمع ما يستوجب التعامل معها بحذر، وكفاءة، وإصرار يفضي إلى حلها في فترة زمنية قصيرة.
وعلى علاقة بمشكلات الاقتصاد الرئيسة، تبرز معضلة غلاء المعيشة التي باتت تستنزف جيوب الأسر والأفراد، وتمنعهم من توفير حاجاتهم الأساسية، وتتسبب في مشكلات اجتماعية، أمنية، واقتصادية لا حصر لها. الإنفاق المالي التوسعي أدى إلى ارتفاع نسب التضخم المحلية التي لم تجد حتى الآن المواجهة الصارمة من مسيري السياستين المالية والنقدية. ضعف الدور الرقابي لوزارة التجارة والصناعة أدى إلى تضخم أسعار السلع بنسب تفوق في حجمها نسب التضخم المعلنة. تُعاني كثير من الأسر السعودية، وبخاصة أسر المتقاعدين، من عجز مالي دائم نتيجة تدني مستوى الدخل، غلاء المعيشة، وتفشي البطالة بين أفرادها المؤهلين للعمل، ما يجعل الآباء مسؤولون عن إعاشة الجميع؛ يُضاف إلى ذلك النفقات الدائمة، كفواتير الكهرباء التي تستقطع ما يقرب من 25 في المائة من دخل الموظف المتوسط، و50 في المائة من دخل المتقاعد، وفواتير الهاتف، ونفقات التعليم. تُقاس كفاءة الاقتصاد بقدرته على خلق الوظائف، وخفض معدلات البطالة، وضبط نسب التضخم، وهو ما لا نجده في الاقتصاد السعودي المتين. متانة الاقتصاد تعني زيادة دخل الفرد الحقيقي، ونمو الطبقة الوسطى، وانخفاض تكلفة المعيشة، وأمور أخرى يُفترض أن تنعكس إيجاباً على حياة المواطنين.
معالجة مشكلتي التضخم، والبطالة، تعني معالجة الكثير من المشكلات الأمنية، الاجتماعية، والأسرية، وتعني أيضا تحقيق كفاءة الاقتصاد الذي يتمتع بأدوات خارقة تؤهله للقضاء على معضلتي البطالة والتضخم، في حال أُحسِنَ التعامل مع تلك الأدوات بكفاءة؛ فمن غير المنطق أن ترتفع معدلات البطالة في أكبر سوق مستوردة للعمالة الأجنبية، وأن تواصل معدلات التضخم ارتفاعها دون أن تواجه بخطط المعالجة السريعة من الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارتي المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي.