كي تصبح محللا في إحدى القنوات الرياضية التي من كثرتها صارت مثل الهم على القلب لايهم أن تكون حاصلا على مؤهل عال أوحتى ثانوي أوراسبا في الكفاءة المتوسطة أوخريج ابتدائية ليلية. لايتطلب المجال الرحب المفتوح، الثقافة الرياضية الواسعة ولا التقيد بآداب الحوار مع الآخرين واحترام أذواق المشاهدين أو على الأقل تأمين الحماية لرؤوسهم من الصداع ولآذانهم من الصراخ وبذيء الكلام.
التحليل في القنوات الرياضية تحول إلى كل مشاع لمن هب ودب وسبق ولبق لايطبق القائمون عليه أبسط المعايير والشروط المطلوبة في المحلل الرياضي. لوتفحصت تلك الشخصيات ستجد القلة منهم مؤهلين بوصفهم مدربين أولاعبين دوليين سابقين أوكتابا كبارا، والنادر من هؤلاء من يتكئ على خلفية رياضية واسعة وثقافة شاملة. ستجد من هذه النوعية القليل، أما البقية الخارجة عن النص وهم الكثرة الغالبة فمفلسون وتقاطرهم وتهافتهم على أبواب القنوات وحضور بعضهم الدائم والرسمي ليس بسبب كفاءتهم وجدارتهم أولأن لديهم مايثري المشاهد. قد نعزو وجودهم الذي أزعج المتابعين للعلاقات الشخصية أو لقدراتهم الصوتية وحناجرهم القادرة على العمل لساعات طويلة دون توقف والرد بخشونة على المعارضين والمخالفين وتسفيه آرائهم ومصادرتها وتقمص دور «أبو العريف».
أقامت بعض هذه القنوات مجالس تضم أكثر من عشرة أشخاص لاتستطيع متابعتهم ولو كان في رأسك عشر عيون ولا تمييز أصواتهم بأذنيك.مجالس يعلوها الصراخ وكثرة المقاطعات وعدم احترام الزملاء داخل الأستوديو والمشاهدين خلف الشاشات يقدمون تحليلات غريبة غير مبنية على معرفة وكأنهم يجلسون في مقهى أو استراحة ينهض أحد هؤلاء وهو لاعب دولي سابق رافعا سبابته في وجوه زملائه والشرر يتطاير من عينيه مهددا ومتوعدا بقطع لسان أي شخص يتجرأ على نقد منتخب بلده «وخلي بالك من لسانك» وكأن هذا الإنسان صاحب سلطة تخول له جلد الآخرين.
كثرت البطولات فوجدت القنوات الرياضية الفرصة سانحة للكسب من الإعلانات ووجد محللو الغفلة الفرصة الذهبية للظهور عبر القنوات والسفر بالطائرات وحضور المباريات بدون مقابل والاسترخاء في الفنادق وقبض المعلوم في نهاية المطاف والضحية في كل الأحوال المشاهد الذي يتطلع من القنوات لعمل احترافي يركز على النوع لا الكم.
قناتنا الرياضية ركبت الموجة بقوة في المحفل الآسيوي الحالي ورحلت إلى قطر باستديوهاتها ومذيعيها وعشرات المحللين أغلبهم يحللون بطريقة مضحكة يتوقع أحدهم فوز المنتخب، وإذا هزم عاد ليقول أنا توقعت هزيمته لكني كنت أتمنى فوزه وإذا فاز قال أنا أصلا قلت لكم وكأنه يضحك على المشاهد الذي لم يعد جاهلا بما يحدث بل إن معظم المشاهدين ودون مبالغة يتفوقون من حيث الرؤية الفنية على أغلب هؤلاء المحللين. شخص ما كان إداريا في أحد الأندية يتابع حضور وغياب اللاعبين قفز دون مقدمات على كرسي التحليل والتقييم وكاتب لا أدري ماذا يكتب وجد نفسه فجأة مع القوم.
شاهدت في نهاية الأسبوع الفارط جزءا يسيرا من حلقة ليلية تبثها القناة الرياضية من الدوحة فأسفت لحال الاستديو ومستوى الحوار وتبادل الاتهامات بين الضيوف وكل يدعي أنه يعرف كل شيء وغيره لايعرف أي شيء اضطررت مع المشهد غير اللائق لتغيير القناة.
كانت الفرصة مواتية لقناتنا الرياضية لتقديم عمل احترافي لوأحسنت اختيار الضيوف! ولكن خيرها في غيرها!.