سيتعب التونسيون قليلاً من الفوضى والانفلات الأمني الذي أصاب البلاد منذ اندلاع التظاهرات والمسيرات الشعبية، وازدادت حدتها مع خروج الرئيس من البلاد، وتحالف الشعب والجيش، في ترقب عربي ودولي لما ستنبئ عنه الأحداث المقبلة.
بين دقيقة وأخرى، تتواصل التغيرات ومحاولة إصلاح ما تم إفساده، فمهما يكن حجم الخسائر، فالنتائج المقبلة في حياة الشعب تكون أكبر بكثير من أي خسائر.
البعض يتصور أن تغيير الحكم نابع من الشعب، والخشية من أن يسرق الجيش هذا النجاح الشعبي، وأنا أقول إن هذا الانقلاب الذي دفعه وأسرع به الشعب، نابع من داخل الجيش، فالجيوش الحرة هي الوحيدة القادرة على التغيير، والإمساك بالدفة نحو شاطئ الأمان والنجاة من كل تخريب.
الإعلان عن توفير آلاف من فرص العمل في الوقت الذي كان فيه الشعب يملأ شوارع تونس يؤكد أنه في إمكان حكومات الدول العربية أن توفر لشعوبها مطالبها من دون أن يخرجوا إلى الشارع، وإذا رأت الشعوب رموز قادتها يعملون ويصلحون في بلادهم، فسيعملون معهم ولهم، لأن الحاكم ليس بعيداً من الشعب، والشعب ليس بعيداً من الحاكم، لكن بعض الحكام العرب الذين يحكمون بلادهم في ظل نظام ديمقراطي «مزعوم» يؤكدون عند توليهم السلطة أنه لا حكم مطلق، ولا يخرج الحاكم من قصره إلا إما جثة، أو مطروداً.
حين يخرج الشعب معلناً رفضه للحاكم، فمن الأجدر بهذا الحاكم أن يتأمل نفسه ويعيد حساباته من جديد والعمل على الإصلاح، أو الرحيل، حتى لا يتكرر المشهد التونسي الساخن مساء الجمعة 14 يناير، والإعلان عن رحيل الحاكم، والشعب الذي أراد الحياة، قد استجاب له القدر.
وصدق قول أبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر