يسألني الكثير وبشكل متكرر عن نظام الرهن العقاري وأثره في أسعار العقار عند اعتماد النظام والعمل به رسميا. والمسألة لا تقف على أثره في أسعار العقار فقط بل تتعداها إلى المواطن والبنوك أو شركات التمويل. وهناك عدة سيناريوهات محتملة.
ولنبدأ بالسيناريو الذي يسأل عنه الناس دائماً وهو احتمالية ارتفاع أسعار الأراضي، على افتراض أن المواطن سيصبح قادرا على الشراء، بسبب التمويل الميسر. والمقدرة على الشراء - إن حصلت - فلن تُترك للعقاريين يستأثرون بها وحدهم على شكل ارتفاع في أسعار الأراضي، بل إن البنوك في سيناريو محتمل سوف تُزاحم العقاريين في الكعكة فترفع أسعار الفائدة، وكذلك سيفعل كل من له ميزة تنافسية احتكارية في مواد البناء.
وقبل الخوض في هذه السيناريوهات المحتملة، فإنها كلها تعتمد على افتراض وجود قوة شرائية كافية قادرة على تحمل ارتفاع الأسعار تغطي المعروض من الأراضي. وقياس ذلك بشكل دقيق ليس عسيرا في الواقع، باعتبار أن من سيلجأ إلى الرهن العقاري هم من ذوي الدخل الشهري، لا أصحاب الثروات. فنظرا لعدم وجود إحصائيات عمالية لدينا، فعن طريق التأمينات والتقاعد والأحوال الشخصية يمكن الحصول على دخول الموظفين الشهرية وعدد أسرهم، ثم تقسم إلى مجموعات عالية الدخل ومتوسطة وقليلة، باعتبار عدد أفراد الأسرة، (فمن دخله الشهري ثلاثين ألفا وأبناؤه عشرة فهو فقير).
فالعقار المتناسب مع ذي الدخول العالية سيكون ثمنه حول 1,250,000 ريال سعودي، باعتبار أرض مساحتها 400 متر. وبافتراض ثبات أسعار الفوائد الحالية وعدم ارتفاعها في المستقبل القريب، فهذا يحتاج إلى دفعة شهرية حول 9,000 ريال. فهل هناك عدد كاف من الموظفين ذوي العائلات الصغيرة تدور دخولهم نحو 20,000 ريال شهريا يقابل عدد قطع الأراضي الملائمة لهذه الشريحة، أو أكثر أو أقل؟ وفي دراسة حديثة، زعمت أن الشريحة الأغلب من الموظفين السعوديين تدور دخولهم حول 5,000 ريال شهريا، وهؤلاء لا يستطيعون تحمل تمويل بأكثر من 300,000 ريال شاملة الأرض والبناء.
والآن فعلى افتراض أن هناك قوة شرائية جديدة تحقق بالتمويلات وكافية لتغطية المعروض من الأراضي. فهنا ستدخل البنوك وترفع أسعار الفوائد لارتفاع الطلب على التمويلات، مما يرفع تكلفة شراء المنزل ليتحول اقتطاعا لجزء من القوة الشرائية الجديدة فتجيرها لصالحها بدلا من العقاريين. ويعتمد كبر هذا الجزء أو صغره على جودة ائتمانية المقترض وعلى ارتفاع الطلب على العقار في المنطقة المطلوب عليها التمويل أو انخفاضه.
وهذا السيناريو يعتمد على فرضية استمرار جمود سوقنا المالية وتخلفها، بحيث يصعب بيع الرهون وتعويض السيولة عند البنوك، ويعتمد على دور الحكومة المنتظر في ذلك. وتفصيل ذلك يطول وسأجعله مفصلا بعدة سيناريوهات بمختلف الفرضيات الممكنة وبأمثلة رقمية، مع توضيح كثير من أساليب التمويل والخدع البنكية الممارسة وغير الممارسة، وما هي أرخص طرق التمويل، وطرق إمكانية تخفيض الفوائد عن طريق ضمانات الحكومة أو إعاناتها وإمكانية استخدام الضمانات والتسهيلات الحكومية لمنع رفع أسعار الأراضي وغير ذلك في أحد الأسابيع القادمة في الملحق الاقتصادي لجريدتنا الأولى «الجزيرة» المنبر الإعلامي الثقافي التنويري الأوحد للعقول السعودية في الجامعات.
وقبل أن نختم لضيق المقال، فإن السيناريو المأمول حدوثه بعد طول هذا الانتظار أن ينزل النظام بحيث ينص على جهة حكومية تعلن سعر الفائدة العادل على تمويلات الرهون لتوفير المعلومة للمواطن فلا يُخدع، كما يخلق تنافسا بين البنوك لتقديم أقل منها. وأن توفر الأنظمة القانونية والمالية والسوقية للتخلص من معظم مخاطرات التمويل على البنوك مما يدفع الفائدة للانخفاض. وأن يكون النظام محتويا على شروط تضع معايير لأسعار العقار لمن أراد الحصول على الضمانات الحكومية والتمويلات وقابلية شرائها، وبذلك تقطع الطريق على أصحاب الأراضي من رفع أسعارها.، مع خدمتهم بتوفير سوق عقارية متحركة ومتجددة ومتطورة لهم، خاصة بعد تشريع جمود السوق بالاحتكار بسبب فتوى هيئة كبار العلماء التي عطلت فرض زكاة أو رسوم على الأراضي التجارية. وهذا هو السيناريو الأمثل الذي يخدم جميع الأطراف، وتفصيله يطول وسيكون في الملحق الاقتصادي إن شاء الله في الأسابيع القادمة.
ويجب أن ينتبه إلى أن العقاري الواعي يعلم أن أسعار الفوائد سوف ترتفع مستقبلا (وقد يكون كبيرا) وستأكل كل ارتفاع محتمل للأراضي. فهو لن يراهن على الاحتكار وسيعمل على تصريف معروضه، وإن مما سكت عنه هنا، أن المجتمع بشتى شرائحه في حالة غياب تام عن ثقافة الرهن العقاري واقتصادياته، بل وتسيطر عليه مفاهيم كثيرة خاطئة مما قد يخلق في البداية حالة مشابهة لما حصل في سوق الأسهم من قبل.