أجد نفسي في دائرة القلق، عندما أقول: إن ما يجري على الساحة اللبنانية - اليوم وأمس وغداً -، هو: نتاج أطراف مستفيدة، تقع في خارج النطاق الجغرافي للبنان؛ ليتصرفوا في شؤون المنطقة، وتدفع بالأحداث إلى هذا المؤشر. والنتيجة: أن الشعب اللبناني، هو: من سيدفع الضريبة الباهضة لمشروعات سياسية خارجية، ويسدد استحقاقات الآخرين على أرضه. فما يجري - اليوم -، هو: انقلاب في المعادلة السياسية في لبنان والمنطقة، ولم تكن - أبداً - منفصلة عما يجري على الساحات الأخرى. وهذا ما جعل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، يؤكد على الرؤية السعودية حيال هذا الأمر، وهو: «أن الوضع في لبنان خطير. وأن الأمور إذا وصلت إلى الانفصال، وتقسيم لبنان انتهت كدولة.. وهذا سيكون خسارة للأمة العربية كلها».
إن إشكالية هذا الواقع كما تبدو اليوم، هي: غياب التوافق والانسجام والوعي بين التوازنات الطائفية والمذهبية، والذي وضعها - هذه المرة - أمام خطر انهيار، يتبارى فيها جيرانه. والدليل على ذلك، هو: تصاعد الأحداث في لبنان - هذه الأيام - بصورة متسارعة، - خاصة - مع اقتراب موعد المحكمة الدولية. وزيادة التكهنات حول اتهام حزب الله باغتيال رئيس الوزراء - السابق - رفيق الحريري؛ ليكتمل فصل آخر من تحول لبنان إلى ساحة نفوذ، خططت لها قوى إقليمية، ورسمت لها الطريق قوى دولية.
إن أجواء التشنج السياسي التي تسود الساحة اللبنانية، عقب انقسام الفرقاء اللبنانيين حول المحكمة الدولية، سيكون مدعوما بقوة السلاح، الخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية، وهذا هو: مصدر القلق. - ولاسيما - وأن تلك الأجواء الساخنة، تتزامن مع مشروع تقسيم لبنان على طاولة المحافظين في الإدارة الأمريكية؛ لإنهاء الصراع الطائفي، - وذلك - عبر مسودة مشروع متكامل عادل - كما يزعمون -، تمنع مستقبلاً أي احتكاك مباشر، يولد اضطرابات جديدة لهذه الكيانات المصطنعة.
مسودة المشروع المتكامل، عبارة عن «280» صفحة فلوسكاب، معززة بعشرات الوثائق، والصور، والتصريحات، والمقابلات الصحافية والتلفزيونية، وتدور حول: الطريقة المثلى؛ لتقسيم لبنان إلى دولتين - مسيحية ومسلمة - ، استناداً إلى عمليات مماثلة، تمت خلال السنوات الماضية في مناطق ساخنة متفجرة، وأعطت نتائج باهرة، مثل: قبرص والبوسنة والسودان. وما يمكن أن يحدث في العراق، تحت مسمى الفيدرالية، وما قد يحدث في مصر، ومناطق أخرى من آسيا، والبلقان على المدى المنظور.
إن التوصل إلى وفاق واتفاق، يكرس الوحدة الوطنية. ويبعد الخلاف والنزاع عن الداخل اللبناني. ويجنبه أي فتنة يحكى عنها بين مختلف الطوائف والمذاهب؛ من أجل الحفاظ على أمن لبنان، واسقراره، والانشغال بأولوياته الداخلية، واحتياجات المواطنين، هو مطلب العقلاء، بعد أن حل تاريخ لبنان الحديث - مع الأسف - بالأزمات السياسية، والحروب الأهلية.