قلنا في المقالة السابقة إن (بعض) المرجفين التأويليين يحاكمون الناس ويصنفونهم حسب النوايا- نواياهم هُم لا نوايا الناس (!!) بل يجهزون التهم الفارغة هكذا (سبهللا) كلما حدث أمر بمشيئة الله كهطول المطر الغزير أو احتباس الغيث أو جاء (حين من الدهر) - أي الجفاف والقحط كما يسميه العامة ف(الإياهم) الذين يرعبون الناس دوماً في هكذا أمور هم الذين قالوا عن غرق مدينة جدة بأن الأمرحدث عقاباً لأهلها (!!) وكذلك قالوا في هذه السنة عندما تأخر القطر عن موعده المألوف أن احتباس المطر عقاب لأهل الإبل على ما فعله بعض منهم من بذخ في مهرجان أم رقيبة إلا أن رب العزة وهو الكريم الرحيم منّ على عباده بالغيث وخيب إرجاف المرجفين الذين يحاكمون الناس على النية، والنية كما يقول المثل مطية ولكي نضرب مثلاً عن النية الصافية والتقوى (المستترة) بين العبد وربه بدون ادعاء أو دعاية أو تمثيل.
يذكر بعض كبار السن من قبيلة (السبعة) من عنزة أنه أصابهم قحط شديد وانقطع المطر وأصبحت الإبل (تثوي) من الجوع والعطش فجاء القوم إلى رجل يتوسمون فيه التقوى هو دخيل الله بن شتيوي وقالوا له: يا دخيل الله صلّ بنا صلاة الاستسقاء وادع رب العزة أن يمّن علينا بالمطر فاتجه القوم إلى رابية ليست طويلة ووقف إمامهم ابن شتيوي ورفع يديه إلى الأعلى وقال: يارب ارزق قومي بالمطر (أنني لا أذكر أنني قد فعلت في حياتي ما يغضب وجهك الكريم) إلا تلك ال (هنيهنة) - أي تصغير (هنّة) وهي الخطأ البسيط، ثم شرع بالصلاة واستغاث وما أن انحدر من الرابية هو وقومه حتى كان المطر يسبقهم إلى المضارب بأمر من العزيز الكريم جلت قدرته فارتوت القبيلة وشربت الإبل وركض الصغار تحت المطر.
وحينما التف القوم في المساء في مجلس ابن شتيوي سألوه عن تلك (الهنة) التي ارتكبها في حياته فقال: نهضت ذات يوم ل(اصطبح) قبل بزوغ الفجر وكانت الرؤية ضبابية في ذلك اليوم فحلبت إحدى نياقي وشربت من لبنها فجاء إليّ الراعي مسرعاً وقال يا عم لقد حلبت ناقة ليست لنا بل دخلت (هميلة) بين إبلنا. فغضب دخيل الله من تلك الغلطة (الهنة) وحاول أن يستفرغ الحليب الذي شربه لأن الناقة ليست له.
وهذا الموقف الرائع الذي يكشف عن صدق النوايا والتقوى وعدم أكل مال الناس ودقة الأمانة يذكرنا بموقف آخر للشيخ (ابن نحيت) أحد شيوخ قبيلة حرب العزيزة.. وكذلك حصل مع (حمد الرزني) من شمر حينما (تاهت) خيله من الظمأ أي أننا نريد القول: إن الأعمال بالنيات فعلاً لا بمحاكمة النوايا فهل نتعظ! من نوايا هؤلاء البسطاء؟