قرأنا أمس الأول عن توقيع اتفاقية بين المملكة وتركيا لزيادة عدد الرحلات الجوية أسبوعيا، إلى سبعين رحلة، منها 54 رحلة للأفراد، و14 رحلة للشحن الجوي...
لم يكن ضمن اهتمامي متابعة أمور النقل، لولا أن في هذه الاتفاقية ما يشير إلى قدرة الدراما التركية التي دخلت كل بيت، على استقطاب السائح من الذين ارتفعت عندهم الرغبة في زيارة معالم تركيا بعدما انعكست عنها أجمل الصور لتركيا البلاد.., وذلك لعدة أسباب لعل أولها ما تنقله الصورة فيها عن مستوى الجمال في الطبيعة، والتنظيم في المجتمع، والتعامل بين الأفراد، وانسيابية الحياة في المدن وامتداد الطبيعة الخلابة، وتبادل الاحترام، في الشوارع والمكاتب, والحركة المنظمة..
فالدراما التركية على ما فيها من سلبيات، إلا أنها تعطي المشاهد صورة عن واقع عملي, طبيعي خلاب, إذ حتى العمالة المنزلية تأخذ فيها روح التكافل, والانتماء للأسرة، بل تظهرها وقائع الدراما عناصر فاعلة متداخلة مع الأسرة، كما تعطي انطباعا عن احترام الأسرة لها, سواء في توفير السكن الملائم لأفرادها منهم, أو في تبادل الثقة بينهم وبين أفراد الأسرة، أو حتى في هيئة ملبس السائق والنادل والطباخ والمربية، بل في المأكل... والمرقد.
إن الأفلام التركية لا يمكن أن تتيح لك أن تجد فيها من يلبس رثا من الثياب، أو يأكل بشكل غير منظم، أو يركب غير فاره العربات، أو يجلس عاطلا أبدا، وإن كان فقيرا في الريف أو رجل أعمال في القصر, أو امرأة فلاحة في الحقل أو المزرعة..حتى أنك تدهش لمستوى المعيشة فيها وتظن أن تركيا لا تضم غير الأثرياء.., بل حتى الفقراء فيها أغنياء..
وهذا غير الواقع، وربما الواقع الذي يحرص أن يكون عليه أفرادها..أو هكذا تقول الدراما بوصفها أحد أهم صناعة الدعاية للسياحة فيها.
ولولا هذه الدعاية المنظمة، المخطط لها، التي أعانت الدراما على تنفيذها بشكل مدروس, وذكي، بذلت له الوقت، والجهد، والمادة، واختارت له من يمثله، بما في هذا الاختيار من مواقع يتم فيها التمثيل من البيوت المرتبة، المنظمة بديعة التصميم، راقية التأثيث، إلى مكاتب العمل المغرية للمزيد من العطاء داخلها،...بعيدا عن مضامين القصص أو محاور الدراما فيها...
إنني أركز هنا على استخدام الأتراك للدراما كواحدة من أساليب، وطرق الدعاية لبلادهم طبيعة، وتصميما, ومناظر، وأروقة، ومعالم، ومظهرا أنيقا, ونظافة فائقة... وقد نجحت... وأشهد ما يشهد على نجاح أهدافها أن تسير من المملكة أسبوعيا لها سبعون رحلة... فكم هم السائحون الزائرون المتجهون من هنا إليها..؟ وكم هي الواردات التي سوف تعم السوق السعودي من بضائعها ومنتجاتها..؟
فما فعلت الدراما لدينا..؟ غير البذل المنهك لصور تتكرر، ولمضامين لا تتجدد، ولمظهر يشفق له الخاطر، ولاستجلاب الضحك على سبيل «شر البلية ما يضحك»، يتخذ معظم الممثلين سبل الإضحاك غاية، معتمدين على المظهر المبتذل، وعلى سذاجة الشخصية, وإن غيرت في الشكل، بملابس لا لمحة لأناقة فيها ولا ذوق, وبأطقم أسنان مقرفة مضحكة هي ضمن ألعاب الأطفال، أو بعوج اللسان بلهجات محلية لا إتقان فيها، بل تضع الممثل في خانة الساخر بأهله،..
ما فعلت الدراما هنا لاستقطاب السائح.., وهي دراما لا تحترم ذوق المشاهد, وإن اجتهدت في بعض الأفكار، نادرة النجاح في اصطيادها..؟
فهل ستطلب أي دولة أن تعقد صفقة رحلات إلى هنا..؟ تأثرا بما تعكسه وتمثله فيما تقدمه الدراما المحلية، أو المحسوبة عليها..؟.. في ضوء ما حققته الدراما التركية..؟
مقارنة ذات مفارقة قابلة للتأمل من الجميع...