لا خلاف أن الملك عبدالله يتمتع بحب وشعبية جارفة في المملكة لدى السعوديين. غير أن ما لفت نظري هو الاستقبال الرسمي والشعبي الكبير الذي لقيه – حفظه الله – عندما وصل إلى المغرب بعد أن منّ الله عليه بالشفاء. الاستقبال كان بالفعل منقطع النظير، وهو يؤكد أن القائد إذا أحبه شعبه واحترموه ينتقل حبه إلى الناس أينما حل ونزل. هل أتحدث في هذه العجالة عن المشاريع العملاقة التي شهدها الوطن في عهده الميمون، أو عن دور العلم الذي تلقاك في كل مكان، أو عن 110 آلاف طالب وطالبة يتلقون العلم حيث منبع العلوم والحضارة الإنسانية المعاصرة في أرجاء المعمورة، وهل أتحدث عن لفتاته الإنسانية، رقته، بساطته، تواضعه، عدم تكلفه، بُعده عن التصنع، تلقائيته، ابتساماته، حبه لشعبه، إخلاصه لهم، بل وتعليقاته المؤثرة التي تنم عن رجل قريب من القلب، وقريب من الناس، يشعر بما يشعرون، ويتلمس مصالحهم، ومصالح أبنائهم بعطف وحنان الأب، ورؤية السياسي الحكيم الذي عركته التجارب فعرف أين يضع قدمه، ومتى يتخذ قراره. ينظر إلى مستقبل البلاد تماماً مثلما ينظر إلى الحاضر؛ عندما تُحدّق في قسمات وجهه، وفي نظراته، وتحاول أن تقرأها، تجد أنها تفيض بالرقة والحنان، وفي الوقت ذاته الحزم والعدل. إنه نهر يتدفق بالخير والطمأنينة والعدالة والتحضر والإنسانية؛ وهذا سر من أسرار شخصيته الآسرة، ويفسر تعلق حب الناس له.
الملك عبدالله بالنسبة لنا نحن السعوديين هو بمثابة (الإمبراطور موتسوهيتو Mutsuhito) بالنسبة لليابانيين؛ والذي إليه تعود النهضة اليابانية الحديثة؛ والذي يُسمى في اليابان (مايجي Meijji) أي المصلح أو صاحب السلطة العادل والمستنير. وأنا كلما قرأت عن هذا القائد الياباني الكبير لا ينتصب أمام عيني إلا الملك عبدالله؛ ومثلما حفظ التاريخ سيرة ذلك الزعيم العظيم ليتوارثها اليابانيون ويفاخرون بها، فسوف يحفظ التاريخ سيرة الملك عبدالله لتتوارثها أجيالنا القادمة ويفاخرون بها أيضاً.. يقول آرثر كوستلر: (تفجرت الطاقات اليابانية على العالم الخارجي، مستلهمة في طريقها كل ما كان يجري في العالم، أو حتى ماكان يعتمل في الفكر البشري، وكانت تلك عملية أشبه بتحطيم زجاج غرفة مضغوطة، وإفلات الطاقات من عقالها).. وهذا بالضبط ما يحصل الآن في عهد الملك عبدالله؛ فهناك أكثر من مائة ألف طالب وطالبة يتلقون العلم في أرجاء المعمورة لا يمكن إلا وأن يكون له أعمق الأثر في تخليصنا من العزلة والتقوقع والتكلس، والانفتاح على العالم، والاستفادة من تجارب الآخرين الحضارية والتنموية؛ وكل ما يرنو إليه نظر صناعة دولة الغد المنتجة والمتحضرة. كما أن الإمبراطور مايجي اتخذ عدة قرارات كانت مصيرية في تخليص اليابان من التقاليد الموروثة التي كانت تشكل عائقاً في طريق التقدم والنهضة، وأقر في المقابل عدداً من القرارات والقوانين التي أخذت بيد اليابان كمجتمع ودولة إلى الحداثة بمعناها الشامل، دون أن تؤثر على التقاليد الشكلية والخيّرة التي يتميز بها اليابانيون ولا تعيق تقدمهم، ويجدون فيها هويتهم بين الأمم.
إن الوطن والمواطنين في غاية شوق إليك، وإلى طلعتك البهية، وقلبك العطوف، وتلقائيتك التي نستشف فيها، ويتدفق منها، كل معاني الإنسانية؛ حفظك الله وحفظ بك، ولاحرمنا وجودك أيها الملك الإنسان.
إلى اللقاء.