|
الجزيرة - نواف المتعب:
سنة بعد سنة تثبت سياسات المملكة الاقتصادية تفوقها على كثير من السياسات الاقتصادية التي تبنتها العديد من الدول المتقدمة اقتصاديًا، ولعل الاختبار الأقوى هو الأزمة المالية العالمية والصمود الذي حققه الاقتصاد السعودي في وجه هذه الأزمة والذي أسفر عن الخروج بأقل الخسائر.
وقد أدت هذه السياسات إلى تسريع معدلات النمو وتحقيق التنوع الاقتصادي الذي انطلق من خلال الإنفاق العام المتزايد في البنى التحتية مما ساهم في تعزيز الفرص الاستثمارية التي تم إتاحتها في مناخ استثماري مستقر أدى إلى تفاعل الاستثمارات الأجنبية للاستفادة من هذه الفرص.
وأتى تقرير صندوق النقد الدولي دليلاً على القوة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي الذي تعرض لامتحان قوي جراء الأزمة العالمية، وتحدث التقرير عن عمليات النمو التي يشهدها اقتصاد المملكة واستمرار تراكم الفوائض المالية، ونمو الإنفاق الحكومي، وتخفيض الدين العام لمستويات قياسية، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتحسن بيئة ممارسة أنشطة الأعمال، ومجمل الإصلاحات في مختلف القطاعات الاقتصادية وتفاعل القطاع الخاص في الحراك الاقتصادي، إضافة للدور القيادي العالمي للمملكة في استقرار أسواق النفط.
ووصف التقرير سياسات المملكة بالإيجابية وخصوصًا في مجالات إدارة الاقتصادي الكلي، والتدابير النقدية، وتعزيز سيولة المصارف التي مكنت القطاع المصرفي من مواجهة الأزمة المالية العالمية وأصبحت التجربة السعودية في مواجهة الأزمة مثالاً يحتذى به من بقية الدول.
المملكة تحتل المرتبة الثامنة عالميًا في جذب الاستثمارات الأجنبية خلال 2010 إلى ذلك أتى حصول المملكة على المرتبة الثامنة عالميًا في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفقًا لتقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية - الأونكتاد - 2010م كدليل إضافي للعمل الجبار الذي انتهجته المملكة في سياساتها الاقتصادية خلال العشر سنوات الأخيرة التي بدأ الجميع يجني ثمارها في الوقت الحالي، وخصوصًا أنه على الرغم من ظهور الأزمة المالية العالمية وآثارها الضخمة في عام 2009م وما تبعها من انخفاض حجم الاستثمارات التي شهدتها المملكة بنحو 7 في المئة مقارنة بالعام 2008م إلا أن المملكة واصلت تحقيق النجاح في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بدول متقدمة في هذا المجال، حيث بلغ مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة إلى المملكة في العام 2009م حسب تقديرات المنظمة 133 مليار ريال.
كما أن صافي التدفقات الداخلة قد أدى إلى ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلى 552 مليار ريال بنهاية عام 2009م التي توزعت على القطاعات الصناعية التي تتضمن البتروكيماويات وصناعة تكرير النفط والخدمات المالية البنوك والتأمين والاستثمارات في العقارات والبنية التحتية وقطاع المقاولات إضافة إلى قطاع الاتصالات والنقل وتقنية المعلومات وقطاعات التعدين.
من ناحية أخرى ما نشاهده من استفادة قصوى للفوائض المالية للاستثمار في مجالات التدريب والتعليم والبنى التحتية وتقنية المعلومات هو نتاج فاعلية السياسات المالية والاقتصادية التي تتبعها القيادة الحكيمة في المملكة، التي جنبتها الكثير من المصاعب والاضطرابات التي لا زالت تعانيها العديد من دول العالم خاصة الدول الصناعية وبعض دول القارة الأوروبية، نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
وتشير التقارير العالمية إلى قدرة المملكة على مواصلة تحقيق نتائج قياسية في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بدول متقدمة في هذا المجال في ظل إمكانات وميزات نسبية جعل من اقتصاد المملكة أحد أكثر اقتصادات العالم حيوية وتنافسية، أتاحت المزيد من الفرص الواعدة للاستثمار الوطني والأجنبي.
وعمدت المملكة للحفاظ على مكتسبات النمو الاقتصادي والتركيز على رفع معدلاته وذلك كأحد الأوجه التي تصب في إغراء المستثمر الأجنبي لاستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة سواء بالشراكات التجارية أو الاستثمارات المباشرة وخصوصًا أن الأساس الاقتصادي للمملكة يُعدُّ من أقوى الاقتصاديات التي واجهت الأزمة المالية العالمية وقد برزت العديد من العوامل الجاذبة للاستثمار ومنها:
8 عوامل جاذبة للاستثمار
النمو السكاني:يمكن اعتبار السوق المحلي للمملكة أحد أكثر الأماكن تحقيقًا للربحية للمستثمرين نظرًا لنمو عدد السكان بمعدل كبير يصل إلى قرابة 3 في المئة سنويًا ويبلغ عدد سكان المملكة وفق آخر إحصاء في العام 2010 حوالي 27.136 مليون نسمة مما يزيد من عدد المستهلكين من السكان من الفئات العمرية الصغيرة، حيث يشكلون أكثر من 60 في المئة من عدد السكان الذين يتمتعون بقوة شرائية كبيرة. إضافة لما تتمتع به المملكة من مزايا أخرى وهي السياحة ما بعد العمرة والحج، حيث يفد للمملكة أكثر من عشرة ملايين حاج ومعتمر سنويًا مما يؤدي إلى زيادة عدد السكان في المملكة لأرقام كبيرة تسهم في القوة الشرائية للعديد من السلع والبضائع.
الموارد الطبيعية:تمتلك المملكة موار طبيعية ضخمة فلديها أكبر احتياطي نفطي يقدر بأكثر من 260 مليار برميل وتحتل المرتبة الثالثة عالميًا باحتياطي الغاز أيضًا وتوفر المملكة فرصًا جديدة للمستثمرين في قطاع النفط والغاز وأيضًا المواد الخام الصناعية والمعادن كالبوكسيت والحجر الجيري والجبس والفوسفات وخام الحديد، وبالتالي نوفر المواد الخاص يسهل عملية الاستفادة منها في عدد من المشاريع وخصوصًا مشاريع البتروكيماويات التي تؤدي إلى خفض تكاليف المواد الخام وذلك نتيجة توفرها في المملكة دون الحاجة لعمليات النقل والشحن الدولية.
الاستقرار السياسي والعوامل الاجتماعية: منذ أن توحدت المملكة على يد المغفور له الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه- والمملكة تتميز باستقرار سياسي كبير يعزز من الأمان الاجتماعي والاقتصادي وقد ترسخ أكثر على يد أبنائه البررة، حيث أثمر هذا الاستقرار وما واكبه من تطور كبير بإصدار التشريعات والأنظمة مما أضفي أجواء ميسرة لاتخاذ القرارات الاستثمارية الإيجابية والناجحة للمستثمرين الأجانب.
البنية التحتية:تُعدُّ نوعية وحجم البنى التحتية من متطلبات وشروط الاستثمار بنوعيه المحلي والأجنبي.
والمتابع لسياسة المملكة في البنية التحتية يجدها لا زالت تعمل على تطوير البنية التحتية، حيث رصدت القيادة الحكيمة أكثر من 400 مليار دولار للاستثمار المباشر في تطوير البنى التحتية والقطاعات الحيوية هذا بالإضافة إلى العديد من المدن الصناعية، كما شكل إنشاء المدن الاقتصادية الخمس بعدًا كبيرًا لتوفير الأجواء والبيئة الملائمة لتدفق الاستثمارات ويوجد في المملكة شبكة مواصلات ضخمة تربط بين كافة مناطق المملكة ومدنها وقراها وكذلك عشرات المطارات، بالإضافة إلى النهضة التي يشهدها قطاع السكك الحديدية حاليًا الذي يستهدف ربط كافة مناطق المملكة بهذه الشبكة خلال السنوات العشر القادمة ويوجد في المملكة العديد من الموانئ على الخليج العربي وكذلك البحر الأحمر مما يعني سهولة ويسر استيراد وتصدير البضائع والسلع إلى المملكة ومنها بتميز قل نظيره من حيث الترابط مع الشرق والغرب عالميا.
الجوانب القانونية: لازالت المملكة تركز على تنظيم الأطر القانونية الحاكمة للنشاط الاقتصادي، كما أن الميزانيات العامة للدولة أولت اهتمامًا بتطوير القضاء مما يسهم في تعزيز الخطوات الكبيرة في تهيئة المناخ القانوني اللازم لتهيئة المناخ المثالي للاستثمار وجذب رؤوس الأموال لاستغلال الفرص المتاحة وذلك بعد تهيئة كل ما يتعلق بحقوق الملكية وإداراتها وإطارها القانوني وإنفاذ قوانينها بشكل فعال، وتوفير كل البنود المتعلقة ببدء النشاط التجاري، استخراج التراخيص، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، تصفية النشاط التجاري.
جاذبية الأنظمة الحكومية: ينظر إلى الأنظمة الحكومية في كثير من الأحيان كمؤشر على الاستقرار طويل الأجل.
ولا شك أن المملكة تتمتع بالاستقرار، بيد أن التحديات على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي والهجمات الإرهابية التي حدثت مؤخرًا في الرياض تمثل عوامل تهديد على المدى الطويل.
وبالرغم من إعطاء الوزن الكافي لأوضاع النظام والقانون بالدولة، فإن المستثمرين يشعرون بالأمان في الدولة التي يسود فيها نظام عادل يكفل حفظ الحقوق للجميع.
الجاذبية التنافسية: تشمل الجاذبية التنافسية، بجانب ظروف السوق، كافة الترتيبات الإجرائية والأنظمة والحوافز التي تعمل في ظلها الشركات متعددة الجنسيات. وحتى من حيث الجاذبية التنافسية فإن المملكة متأخرة كثيرًا عن المقاييس العالمية.
إن نوعية وإعداد القوى العاملة المحلية والطريقة التي تطبق بها الدولة سياسة السعودة قد تؤدي إلى نقص في القوى العاملة الماهرة المنتجة المدربة.
ومن المهم أن ننوّه إلى أن المملكة شأنها شأن الدول النامية الأخرى تسعى جاهدة لإيجاد أرضية تنافسية للشركات متعددة الجنسيات، ولكن فعالية المؤشرات ذات المستويات الأعلى لا ينظر إليها إلا بعد تحقيق حد أدنى من القبول بالنسبة للمؤشرات الأساسية الأخرى للدول المعنية.
تسهيل إجراءات النشاط التجاري عمدت المملكة إلى إجراء إصلاحات مهمة استهدفت تسهيل إجراءات بدء النشاط التجاري من خلال:
- تقليل الوقت المستغرق لتسجيل الشركة الوطنية ذات مسؤولية محدودة وتبسيط الشروط والمتطلبات اللازمة لذلك.
- تخفيض رسم نشر ملخص عقد تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
من جهة أخرى يستمر الاقتصاد السعودي في إستراتيجيات واضحة تعزز من صلابته ويظهر ذلك واضحًا من خطة التنمية التاسعة للمملكة 31-1432 ـ 35-1436هـ (2010-2014م) التي تولي اهتمامًا كبيرًا بالسياسات الاستثمارية وخصوصًا ما يتعلق منها بتشجيع الاستثمار الخاص لضمان مواصلة النمو الاقتصادي بأعلى المعدلات الممكنة وجذب الاستثمارات في عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة مثل قطاع الطاقة الذي يشمل الصناعات المعتمدة على النفط والغاز مثل البتروكيماويات والكهرباء وتحلية المياه والصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة مثل التعدين إلى جانب الاستثمار في مشاريع النقل للاستفادة من المزايا النسبية المتوفرة للمملكة والمرتبطة بموقعها الإستراتيجي كنقطة التقاء بين الغرب والشرق وتوجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع السكك الحديدية والموانئ الجوية والبحرية والطرق، إضافة لقطاعات تقنية المعلومات والاتصالات ذات الأهمية القصوى في تطوير بقية القطاعات الاقتصادية.