حققت المملكة مرتبة متقدمة جدا في تنافسيتها مع دول العالم لجذب الاستثمار واعتبارها بيئة صحية لتدفق الاستثمارات وأصبحت من بين العشر الأوائل عالميا، والمهمة الملقاة على عاتق هيئة الاستثمار بالتأكيد أصبحت أكثر دقة وصعوبة لأن المحافظة على هذه الإنجازات هي الأهم في المرحلة القادمة فجميع دول العالم تسعى لتحقيق أفضل المراكز، فكما أزاحت المملكة غيرها من الدول لتحل مكانها فهناك أيضا من يسعى لأن ينافس على مراكز متقدمة دوليا أيضا خصوصا ان المنافسة الدولية شريفة ومشروعة وتعتمد على ما يبذل من جهود، وما حققته الهيئة إلى الآن لا بد أن ينظر له بكل احترام فهناك بالفعل خطوات جبارة أنجزت وهي التي أعطت هذه المكانة الرفيعة للمملكة عالميا لأن التقييم يبقى من جهات دولية وبحسب معايير واضحة، بينما يبقى الأثر على أرض الواقع هو ما تركز الهيئة على تقييمه لمعرفة مدى تأثير هذه الإجراءات ومعالجة أي قصور فيها ودعم أي تقدم تحقق في أحد جوانبها لرفع مستوى أرقام الأموال التي تدفقت للاقتصاد السعودي غير أن تعزيز جهود الهيئة يحتاج إلى عمل كبير من كافة الأطراف الفاعلة في العملية الاقتصادية، فمؤشرات التنمية تعكس جهود خطط حكومية خمسية دخلنا في التاسعة منها العام الفائت وهي بنفس الوقت تضع أرقاما تستهدفها لابد من تحقيقها لتتسارع خطوات التنمية، وقد حققت المملكة في هذا الجانب نجاحات كبيرة فعلى المستوى الصحي يبلغ متوسط عمر الفرد بالمملكة 73 عاما مما يدل على تطور كبير في الخدمات الصحية وبرامج التوعية للمحافظة على الصحة والبيئة العامة، وتخصص المملكة سنويا أرقاما كبيرة لميزانية الصحة وفي مجتمع يزيد فيه نسبة الشباب عن 60 بالمائة فإن الاهتمام بالتعليم أخذ نصيب الأسد من ميزانيات الحكومة خلال السنوات الماضية بحيث أصبح يستحوذ على ربع الميزانية سنويا، وفي السنوات الخمس الماضية تم ابتعاث أكثر من مائة ألف شاب وشابة للخارج للحصول على علوم متقدمة من دول تعد الأولى عالميا في مجالات العلم وبمختلف القارات هذا بخلاف ما يتم إنفاقه محليا بشكل غير مسبوق ليس على مستوى المملكة بل حتى المنطقة برمتها فهناك نهضة تعليمية واسعة تستهدف رفع مستوى إمكانات الكوادر البشرية لتكون جاهزة لتطوير وتنمية الاقتصاد والمجتمع السعودي، وهناك بالإضافة إلى ذلك برامج اجتماعية تستهدف تطوير دخل الأسر التي تعاني من الفقر عبر برامج الضمان الاجتماعي، وكذلك من خلال تحفيز روح الأمل والعمل لدى تلك الفئات بدعمها ماديا لفتح مشاريع صغيرة تدر عليها دخلا مناسبا مع استمرار دعمها ماليا من خلال برنامج الضمان ومن كل ذلك نجد أن المملكة قطعت أشواطا مهمة في مسيرة التعليم والصحة وتحسين مستوى الدخل للمواطنين ومازال هناك مراحل عديدة تستهدف برامج الحكومة تحقيقها لكي تكتمل منظومة العمل التنموي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتطوير إمكانيات المجتمع العملية والصحية والمادية لكن كل هذا العمل الكبير الذي تحقق على مدى عشرات السنين وهيأ الفرصة المناسبة لكي تنطلق المملكة نحو آفاق عالمية من النشاط الاقتصادي وبكافة الميادين الأخرى فقد ترافق مع كل ذلك إنشاء بنى تحتية ضخمة توفر البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية سواء بالمدن الصناعية أو الاقتصادية وقد تم توطين مئات المليارات من الدولارات في مدن الجبيل وينبع والعديد من المدن الصناعية داخل مناطق المملكة، وسيكون للمدن الاقتصادية التي تشرف عليها الهيئة العامة للاستثمار دورها البارز بجذب أرقام كبيرة ونوعيات جديدة من المستثمرين
لكن العالم اليوم وبعد الأزمة المالية تحديدا دخل مرحلة مختلفة تماما من العلاقات التجارية لم تعد تعتمد فقط على الاستيراد والتصدير أو حتى جذب استثمارات فردية فقط بل تجاوز ذلك إلى مرحلة الشراكات وهي التي تعمق المصالح المشتركة وتلغي وتذيب كل الحدود والعوائق بين الدول تحديدا وتساهم في سهولة نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة فإذا كانت الأهداف السابقة تركز على الاستفادة النسبية من إمكانات كل سوق، فاليوم الجميع يركز على الاستفادة من إمكانات الدول وما تمتلكه من موارد طبيعية ومواد خام وخبرات وتقدم علمي بمختلف المجالات الاقتصادية، ولعل ما يكتنف العالم من ممارسات حمائية تحت مبدأ مكافحة الإغراق ليس أكثر من دليل على ان العلاقة تتعمق بين الدول بالشراكة التي تلغي هذه العوامل بل تجعل منها عوامل قوة عندما تصبح المصالح تحمل صفة الشراكة والمصير المشترك للعمل التجاري فالاستفادة النسبية من فتح الأسواق لا تحقق الأفق التجاري لمن يطمح بزيادة حصته بأي سوق الا عندما يكون شريكا في هذا السوق، وهذا لا يتعمق إلا من خلال الشراكة الدائمة وما تم تنفيذه من مشاريع مشتركة بين الشركات السعودية والأجنبية يعد نموذجا عمليا لأي نجاح تحقق من تلك الشراكات، والدول الناشئة اليوم تبحث عن شراكات حالها حال الدول المتقدمة فعمق العلاقات الأوربية الأمريكية الذي امتد لعقود بني على مبدأ الشراكات أكثر من العلاقات الكلاسيكية التي أصبحت من الماضي فالمواقف الدولية اليوم لا تترابط الا بمستوى قوة المصالح المشتركة والاستثمارات تنجذب للأماكن التي تعطيها أكثر من ميزة وخصوصا التي تعاملها كاستثمارات وطنية بسبب مستوى العمق بالعلاقة المشتركة فلم يعد العالم اليوم يرى في انتظار تطور أي دولة تملك ثروات طبيعية لحين استثمارها ثم تصديرها على أي شكل هو الحل لديناميكية الاقتصاد الدولي ومن يريد أن يكون له الأولوية بأي سوق فلابد من تبادل الخبرات والأموال عبر شراكات حقيقية تستهدف عولمة الشركات بانتشارها الدولي وأن تكون بمثابة شركة محلية او وطنية في أي مكان تستقر فيها فعمق العلاقات بين الدول يحكمه تطور المصالح التجارية وتوثيق المصالح التجارية لابد وأن يمر من خلال قناة الشراكات العميقة بين الكيانات الاقتصادية الفاعلة بالاقتصاد وهي الشركات فمشاريع الكوا وداو كيميكال وغيرها ترسخ لعلاقات بين المملكة والدول التي تنتمي لها تلك الشركات وتصبح المصالح متناغمة بشكل كبير، وهذا ما يندرج على أي شراكة مستقبلية مع شركات من دول أخرى العالم اليوم يتحول إلى منظومة تجارية تحكمها المصالح المتوافقة والدائمة مع بعضها بعض ولا يمكن الاستمرار في عالم التنافس التجاري دون أن يكون هناك فتح للأسواق من خلال تعميق العلاقة بأن يكون مبدأها توزيع الفائدة على الأطراف المتشاركة فما تتمتع به المملكة اليوم من تطوركبير بالقدرات البشرية والإمكانات الاقتصادية والموقع الجغرافي والثروات الهائلة لا يمكن أن يكون كافيا بدون التنمية البشرية التي أثبتت مؤشراتها أنها في طريق صحيح بشكل عام وتتقدم بشكل متسارع، كما لايمكن أن يكون هناك تعظيم للفائدة بدون ان يكون هناك نقل التعامل بين الشركات ورؤوس الأموال المحلية دون مبدأ الشراكات مع نظيرها العالمي الذي يتولد منه الديمومة وينعكس على التنمية بشكل كبير يتحقق من خلاله العديد من الفوائد العملية على الصعيد العلمي والمادي والتنموي بالإضافة إلى كسركل الحواجز التي تعيق او تقف لوصول منتجاتنا وبضائعنا إلى كل الأسواق وتحرص كل الأطراف التي ترتبط معنا بأن يكون موقف المصدر السعودي قويا في أسواقها، إن المنافسة اليوم تتعدد أنواعها ومزايا الاستفادة منها والطريق ممهد أكثر من أي وقت مضى لأن تكون المملكة على خارطة الدول المصدرة إذا ما تركز مفهوم التنافسية على الشراكة مستقبلا كمرحلة متقدمة لرفع مستوى جذب الشركاء أكثر من مفهوم جذب المستثمرين فقط.