كانت النيران مشتعلة يوم الاثنين في ثلاث عواصم عربية، ومنها امتدت لمدن أخرى في تلك البلدان، فمن بيروت امتدت حرائق «الدواليب» والسيارات إلى طرابلس، ومن القاهرة تواصلت المظاهرات إلى السويس فسقط قتلى وجرحى، وفي تونس لا فرق بين مظاهرات العاصمة والمدن الأخرى.

حرائق ومظاهرات العواصم والمدن العربية لن تكون قاصرة على تونس ومصر ولبنان، فهناك دول عربية يتهيأ مواطنوها لاستهلام احتجاجات التونسيين وتطبيقها في بلدانهم، ولا يمكن استثناء بلد عربي عن هذه الموجة والغضبة التي تشهدها المنطقة العربية. ومع أن كل قطر لمواطنيه أسبابهم ودوافعهم والظروف المحيطة بذلك البلد التي تعَجِّل بتفجير الأحداث أو عدمه، فالذي شاهدناه أن أسباب التظاهرات وثورة التغيير في تونس تختلف عن مسببات التظاهر في لبنان. ورغم أن هناك جامعاً لتظاهرات تونس والجزائر ومصر وحتى اليمن والسودان والأردن، فإنَّ المؤكَّد أنَّ حكومات تلك البلدان وكل حكومات المنطقة لابد وأنها منهمكة الآن في دراسة الأسباب التي أطلقت هذه الاحتجاجات والتظاهرات وفَهْم دوافعها التي أوجدت حالة غير مسبوقة في المنطقة. فبالإضافة إلى التظاهرات الضخمة سلك البعض أسلوباً غريباً في إظهار معارضته لحالات الإهمال التي تواجه بها الشعوب من الحكومات، بأن أقدموا على إحراق أنفسهم في صور تُعَبِّر عن أقسى حالات فقدان الأمل.

وهكذا فليس كشفاً للأسرار ولا ادعاءً للمعرفة، من أن جميع الحكومات والدوائر التابعة لها وخاصة التي لها علاقة بالأمن منشغلة الآن في دراسة الدوافع والأسباب التي أججت الجماهير العربية ودفعتها إلى مقارعة الحكومات وأجهزتها الأمنية في الشارع.

والشيء المؤكد والمعروف سلفاً أن هذه الدراسات والاجتماعات وحتى ورش العمل التي نُظِمتْ في بعض الدول دون الإعلان عنها لمواجهة ما يحصل، ستتمخض وتظهر أن الحل متوفر والجميع يعرفه وإن تغاضى عنه، فالشعوب لا تريد سوى أن تحكم بالعدل وأن تعاملها الحكومات وفق عقد اجتماعي عنوانه العدل والمساواة، وأن يكون الاهتمام مُنصَبَّاً على تحسين حياة الإنسان من خلال توفير فرص العمل له ومعالجة الفقر وتحسين الأوضاع الصحية والمعيشية.

الاهتمام بهذه المفاصل الحياتية للإنسان يؤسس لعلاقة طيبة ومريحة بين الحكومات وشعوبها. ومن تَوصَّلَ إلى صياغة هذه العلاقة فهو في مأمن من أي اضطرابات واحتجاجات، بل يحظى بحزام من الأمن والدعم من أبناء شعبه.

JAZPING: 9999