المكرَّم رئيس تحرير صحيفة الجزيرة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في رأي (الجزيرة) عدد 13981 الصادر بتاريخ السبت 4-2-1432ه طالعنا المقال الآتي للدكتور إبراهيم عبدالرحمن التركي تحت عنوان (الغد المعتقل)، الذي ابتدأه بالحديث حول مادة الإنشاء بالصف الأول المتوسط باستفسار متكرر ومهم، من الممكن أن يكون مرتكزاً لتحقيق ما يتمناه الإنسان ويرجوه، وهو «ماذا تود أن تكون...؟!»، فشرع متطوفاً بتفاصيل الموضوع مرتحلاً بالخيال ومتماهياً نحو الحلم من جانب المهنة والتخصص ومن جانب الافتراض والتهويم والتعتيم.. ثم نقل الواقع بلون من الأدب المكشوف، والثقافة المتسالمة عليها.. إزاء ما ذكره من رموز وشخصيات مناطة بصناعة الحدث وصياغة الأثر والنتيجة، ومعروفة لدى القارئ أو الجمهور المتلقي.. كما يقول: «كثيرون لم يسكنوا شقة الحرية، رواية ل(غازي القصيبي)، ولا يعنيهم (شارع العطايف) وهي رواية للكاتب عبدالله بن بخيت.. كما لا يعرفون حكاية الواد والعم للنويصر وسمات نساء المنكر لسمر المقرن.. فبقيت الزوايا التي يحتلونها في الفضاء محدودة بمساءاتهم الوادعة وصباحاتهم الكادحة غير حافلين بالسير والروايات». وآخر المقالة ختمها أيضاً بمادة التعبير ودرسه، حيث ذكر «لم نتجاوز درس التعبير بعد؛ فما نزال تتوهم النصر في المنام مكتفين بتسفيه الآخرين والدعاء عليهم». وبما أن مادة الإنشاء في أول المقال والتعبير في آخره، وبما أن الحبكة الكلامية في سردها المقالي متجهة نحو الأدب ومتصلة بفنونه الثقافية، فها نحن مع رمزين واضحين لهما ارتباط وثيق مع هذه المادة ننطلق منها ومنهما ومن مقال الأستاذ التركي إلى عالم التحقيق والظهور، واليقظة الواعية..
يذكر العقاد (1306 - 1383هـ) في كتابه (أنا) أن الشيخ محمد عبده حينما رأى كراسة التعبير ربت على كتفَيْ العقاد، وقال: ما أجدر أن يكون صاحب هذا الكراس كاتباً. وكذلك ذكر ملحق الأربعاء الثقافي التابع لصحيفة المدينة أن الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين المولود (في 8-3-1344هـ) كان فاشلاً في هذه المادة (التعبير)، ومن هذا الفشل كان له هذا الشعور الثقافي والحس الأدبي؛ وبالتالي هذا الصيت وهذه السمعة؛ حيث يناقش في «جذور» وفي (نوافذ) الأثر التاريخي والمفهوم المعاصر لجوانب المعرفة ومسارات الفكر والثقافة، وأيضاً الكاتب عباس محمود العقاد غني عن المعرفة وليس من الصعوبة بمكان الوصول إليه.
خرج الأول من التشجيع إلى جانب الانكباب على القراءة والمتابعة، وخرج الثاني من الإصرار والمجابهة إلى عالم من الاتساع والتمدد؛ الذي يسع الكثيرين من المعنيين والمهتمين بهذا الحقل وذاك.. وأخيراً.. ماذا نفهم من هذه المادة، ومن مقالة الأستاذ التركي، ومن تفاعل الكاتبين بها (المادة)؟ فلعل ما ذكر بداية من استفسار «ماذا تود أن تكون؟» يسري في دماء الجسم الإنساني بلحاظ الصعوبات والمنغصات، إضافة إلى الإيجابيات أو العوامل المساندة الأخرى، وأن البناء المستقبلي والطموح الآتي يعتمد بعد التوفيق الإلهي وعلى التشجيع والدعم والإصرار على الفعل مهما كان الشخص قريباً أو بعيداً من هرمه الحياتي أو مثلث التفاعل في وجوده (العمر + الجنس + البيئة أو الحضور) في استدعاء القناعة، وقول العقاد ذاته «التكافل في وحدة الوجود» حيث اللون يكمل اللون الآخر، وظهور لون بخفوت آخر، وكذلك المأثور عن توفيق الحكيم بصعوبة حمل ثلاث كرات في يد واحدة (الصحة + راحة البال + المال)، فلا بد من سقوط واحدة والاستمتاع بالكرتين الأخريين، وهكذا بقياس الرمز على الحقيقة كما فعل أستاذنا «التركي» بتحميل القارئ وزر الغموض المذكور في وسط المقالة.
فلعلنا نأخذ من المقالة ومن المادة ومن الرمزين ما يهمنا، ونعيش بقناعة بما ينفعنا؛ فلربما نحقق ما نود أن نكون.
واصل عبدالله البوخضرالأحساء – شقراء