كانت مرحلة دراستي الأولى مثيرةً إلى حدٍّ كبير، لأسباب عديدة أهمها، تعدّد أماكن الدراسة في المرحلة الابتدائية بدءاً من أبها ثم جازان ثم أبها ثم جدة في وقت لاحق فجازان كرة أخرى، ثم زحلة في لبنان، ثم جدة لأنالَ في مدرستها النموذجية الابتدائية شهادةَ إتمام تلك المرحلة.
أمّا في جدة، فأتذكر جيداً أنني خلال دراستي في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة الفلاح، كنت أحفظ المواد الدينية حفظاً جيداً، إلى حد أن أستاذ هذه المواد، كان يكلفني أحياناً ب(التسميع) لبعض الزملاء الآخرين، كسباً للوقت، و(الرفع) له عن حالات التقصير في الحفظ لينال المقصر عقابه جلداً، وكان بعض (الموسرين) من زملاء الفصل يغرونني بالدعوة لتناول السحلب الطازج أو (البليلة) أو (الدندرمة) (الآيسكريم) إذا كان الجو صيفاً، وذلك أثناء (الفسحة) كي أغض الطرف عن بعض أخطائهم أثناء (التسميع)، فأستجيب لذلك (الإغواء)، خاصةً حينما أكون خالي اليد والبطن معاً، ولم أكن أعلم أن سلوكي ذاك مرفوض شرعاً وخلقاً! ولم أتعرف على هذا المبدأ إلا بعد سنوات خلت! وأرجو من الله أن يغفر لي، فصرير الأمعاء أحياناً يلهي المرء عن نفسه وقيمه ومن حوله!!
بدأ مشواري مع الحرف منذ زمن طويل، كنت وقتئذ طالباً في مطلع المرحلة الثانوية بالرياض، لم أكن أحلُم بالكتابة خارج أسوار (كراسة الإنشاء) إلى أن كان يوم زار فيه والدي -رحمه الله- زميلُ عمله المرحوم الأديب خالد بن محمد خليفة، وكنت لحظتئذ أقدم لهما الشاي، حين فجّر الأستاذ خالد (قنبلة) عبر سؤال مباشر لي قائلاً: (لماذا لا تكتب يا عبدالرحمن معنا في صحيفة (القصيم)! وقد عقد السؤال لساني، فلم أُحرْ جواباً، لكن والدي بادر قائلاً: (دع عبدالرحمن وشأنه، فهو مشغول بدراسته ولا وقت لديه للكتابة)، ورغم ذلك الرد (الرادع) نوعاً ما، إلا أن عيني الأستاذ خليفة كانتا تحملان ومضة الإصرار على الدعوة! ولما عدت إلى غرفتي سألت نفسي (ولمَ لا تكتب يا عبدالرحمن؟!) وكانت تلك هي البداية!
مارست العمل الكتابي بدءاً بصحيفة (القصيم) التي رحبت بقلمي، ولم تمضِ أشهر على ذلك حتى كنت أعمل (محرراً) لصفحة أسبوعية بها اسمها (عالم الشباب)، إلى جانب عمود شبه أسبوعي، وكان أهم مقال كتبته في تلك الفترة بعنوان (النجم الذي هوى) رثيت فيه المرحوم الأديب الكبير أحمد حسن الزيات، ثم تبين فيما بعد أن (موته) كان إشاعة، ثم سافرت إلى أمريكا للدراسة، مسدلاً الستار مؤقتاً على الكتابة حتى أعود!.
أما والدي رحمه الله، فقد التزم حياد الصمت أو صمت الحياد، فلم يعترض على دخولي دنيا الحرف، وكان صمته رحمه الله.. مؤشر (قبول)!
ولما عدت من أمريكا في مطلع التسعينات هجرية.. استيقظ الحنين مجدداً في خاطري للحرف، فجال شراع قلمي عبر عدة مرافئ دافئة، بدءاً بمجلة (اليمامة) ثم (الجزيرة) (فعكاظ) (فالبلاد)، ثم (اليمامة) مجدداً قبل أن أستقر في صحيفة (الجزيرة) قبل نحو عقر ونصف عبر هذه الزاوية.