جدة آهة عاشق، ومرفأ بحر، وعروس البحر الأحمر، لكنها -اليوم- فقدت عذريتها قبل زفافها.
هاهي تتحول -مع الأسف- إلى بحيرة كبيرة، وحكاية أصعب من أن تستوعب. فلا شيء ينافسها هذه الأيام....
....وهي تعيش مع كل موسم مطر، هاجس كارثة جديدة، تطل برأسها مع كل غيمة، أو برق؛ لتبقى الخسائر تتكرر -كل عام- بتكرار الأخطاء. -خاصة- وأن أزمة جدة، قائمة منذ أكثر من ثلاثين سنة، دون أن تكون هناك مشروعات مكتملة، أو طوارئ ناجحة، أوفرق مدربة. -وبالتالي- لن تستطيع جدة، أن تصمد أمام ساعات قليلة من المطر.
قصة جديدة، عاشتها جدة مع المطر، تجاوزت -خلالها- كمية الأمطار في جنوبها «111» مليمتر، فكانت أكبر كمية من الأمطار في تاريخها المنظور. وظهرت الحقائق تباعاً؛ ليتجاوز الفساد مؤشره، ويعلن عن ضحايا ومحتجزين جدد، فإجراءات السلامة الاحترازية كانت شبه معدومة، وعدم توقع المستقبل كان حاضراً، ونسينا أننا نعيش حضارة القرن الحادي والعشرين.
بعيداً عن تفاصيل الأسباب، ومحاور بحثها. كان خطاب خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- بعد أزمة الأربعاء، تأكيداً على تفعيل الرقابة، والتحقيق، والمتابعة؛ لنسير بخطى موثوقة نحو العدالة، وحتى لا تذهب التهمة، وينجو المقصر. فما حدث ناجم عن اختلالات أساسية، يستدعي حصول تغيير مرتقب في هذه الأوعية، حتى لا تدوم المشكلة إلى ما لا نهاية، ويتم رصد جيوبها، ومن ثم كشفها، وضرب مصادرها، وتحجيم آثارها، والاحتفاظ -مستقبلاً- بمؤشرات للإنذار المبكر بالخلل الواضح.
تعلمت، أنه لا يجب أن نقيس أنفسنا بما أنجزنا حتى الآن، بل بما يجب أن نحققه مقارنة بقدراتنا. وهذا ما يقرره العالم النفسي «وليم جيم»، من أن: «الإنسان على مدى حياته التي يعيش فيها، لا يستغل من قدراته سوى 10% فقط، ويبقى 90% معطلاً. فالإنسان حتى يفجر هذه القدرات، يجب أن يعتقد في قرارة نفسه أنه قوي، ويستطيع أن يفجر هذه القدرات». -ولذا- فإن إنشاء هيئة وطنية لإدارة الأزمات، هو مفهوم إداري حديث، كي يتم التعامل الذاتي مع القادم المجهول بشكل احترافي. وتجاوز الأزمات بأقل فترة زمنية ممكنة. وهذا المطلب أصبح ملحاً، بعد أن تفاقمت حكاية المطر في جدة، وتعاظمت، وتكاتفت، وتأزمت. وضاعت حياة الناس، وممتلكاتهم. ومللنا الحديث عن خططنا القصيرة، والمتوسطة، والطويلة الأجل.
مضى أكثر من سنة وثلاثة أشهر على كارثة جدة الشهيرة، وقد احتضرت مشاعرنا، وتبخرت أحلامنا، وتلاشت أمنياتنا. وحتى أخرج مطمئناً في نهاية المقال، سأرمي بسؤالي الأخير، وأغادر: ماذا أنجزت الإدارات الحكومية المعنية من مشاريع -خلال- السنة الماضية؟. أو أننا لن نرى أبعد من ذلك، أو أن كل ذلك لا يهم، فالذنب على المطر، وجدة ماتت في أحضان الفساد.