مع التأكيد بأن الشعوب لا يمكن إبقاؤها تحت سيطرة حكم مستبد لا يراعي حقوق تلك الشعوب وتلبية حاجياتها في الحصول على متطلبات الحياة، وهذا ما يدفع تلك الشعوب إلى الانتفاضات والاحتجاجات التي سرعان ما تصل إلى ثورات كاملة تغير كل ما كان موجوداً، ومع أن تراكم الأخطاء وعدم معالجة التجاوزات والمخالفات التي تسمح بتورم ثروات جماعات على حساب الأغلبية العظمى من الشعوب، فإن الخطأ الأكبر ترتكبه الحكومات والأنظمة عندما لا تحسن التعامل مع اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات التي تبدأ عادة بسيطة ثم تتطور وتتسع وتتشعب لأن الأجهزة والإدارات لم تقم بما هو مطلوب منها، أو صعّدت الأمر لأكثر مما هو مراد القيام به، فالتصدي للجماهير الغاضبة والتمادي في استعمال العنف المفرط يدفع تلك الجماهير إلى ارتكاب ما لم يكن أحد يتصوره حتى الأجهزة والإدارات المكلفة بالتعامل معه أمنياً وسياسياً وهو بالضبط ما حصل في تونس ويحصل الآن في مصر، ويمكن أن يحصل في دول أخرى إن لم تحسن حكوماتها التعامل مع المطالب المشروعة للشعب، خاصة ذات العلاقة بحياته المعيشية، وحياة أسرته ومستقبل أبنائه سواء فيما يتعلق بالتعليم أو بتوفير الخدمات الطبية من علاج وتوسيع شبكة المستشفيات إضافة إلى تمكين المواطنين من الحصول على مساكن ومنازل تمكنهم من الإقامة في أوطانهم وإشعارهم أنهم لهم حق في الاستفادة من خيرات بلدهم.
تحقيق مطالب الجماهير وتوفير احتياجات المواطنين يجعلهم أكثر التصاقاً بوطنهم وإحساساً بأهمية أن يكون للإنسان وطن، وأن يكون متفهماً ومتعاوناً مع قيادته التي كلما حققت مطالبه كانت أكثر التحاماً، ومعززة ومحمية من الشعب نفسه.
أما إذا حصل العكس وباعدت الأجهزة الأمنية بين القيادات والشعب ومارست المحظور باستعمال العنف ضد المواطنين فسيحصل ما حصل في تونس ومصر، لأن تحدي الشعوب وقهر إرادتها لا يمكن أن يظل إلى الأبد مهما طالت مدة الاستبداد، فالنهاية دائماً لصالح الشعوب التي لا تقهر إرادتها.