يأسى الدكتور فاروق الباز عالم الفضاء الشهير على جهله بالصحراء بسبب شح معلوماته الجيولوجية في هذا المجال، وحصار حقيقة جهله أخجله وأحزنه كونه جيولوجياً عربياً! واعتبر ذلك فضيحة له! لذا جاء إلى صحراء الربع الخالي ليرفع عن نفسه هذا الحرج، وتواصل مع جيولوجيين في المنطقة ليكتشف أيضاً بأنهم جهلة، ولا يملكون معلومات عدا عن الأحاديث الشفهية. لذا سعى لدراسة الصحراء، لا لمجرد العلم وإشباع رغبة البحث والاكتشاف؛ ولكن لأهمية تفهم الأمم لموقعها الجغرافي بشكل عميق، ومعرفة تضاريس خارطتها وتفاصيلها كشرط لتأسيس حضارتها المتقدمة لأن معرفة الأرض سيؤدي لمعرفة ثرواتها، ومن ثم استخدامها على أفضل وجه. أي أن شرط إنجاز الحضارة المتقدمة يستلزم المعرفة الجغرافية العميقة بالبيئة التي تبنى عليها.
وقد تناول (العالم الباز) دراسة تضاريس هذه المساحات الممتدة من الرمال وتطوراتها وتغيراتها مع الزمن، واستثمر صور الفضاء للبحث فيما يتعلق بالصحراء، وإجابة أسئلتها المعقدة عبر تقنية التصوير الفضائي من خلال الأقمار الصناعية التي ساهمت في حل السؤال الكبير عن ماهية الصحارى الواسعة والكشف عن أسرارها! وهل بالفعل كانت مكمنا للمياه ومسكنا للأنهار التي تجري عبر رمالها خلال العصور السابقة التي كشفتها الدراسات الحديثة؟!
ليبقى السؤال الصعب: إن كان الأمر كذلك، فأين تقبع المياه الآن؟ وكيف تجمعت وتركزت في الربع الخالي؟ بما يشير إلى أن منطقه الربع الخالي تلك السلسلة من الرمال المتحركة الغارقة في الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية ما تزال مليئة بالألغاز، ولم تعرف ثرواتها.
والسؤال الأكثر أهمية: هل يمكن لهذه الصحارى المنتشرة في العالم العربي أن تكون مصدر ثروة وتقدم له؟ والإجابة الأكثر دقة هي أن الكثبان الرملية أو الصحارى الممتدة في بلادنا لن تنقذنا كلها من أزمات المياه الحادة، ولكن المقصود هو الكثبان الصخرية التي توجد في قاع صحراء الربع الخالي وغيرها، وهو ما يؤكده العالم الباز بأن تلك الصخور هي رمال في أسفلها (سبخة جافة) تكونت بفعل الزمن فتسرب الماء ودخل بين شقوق الصخور التي احتفظت به ولازالت، وكلما زاد المخزون تسرب للبحر، وقد اكتشف البحارة الغواصون ذلك قديما فكانوا يشربون ويعبئون قربهم، بينما نحن نتركه هدرا ونقوم بتحلية مياه البحر بتكاليف باهظة! وهذا الاستنتاج يقودنا للجزم بأن شبه الجزيرة العربية حاليا محاطة بحزام من خزانات المياه الكبيرة المخزونة في الجبال العالية المحيطة بها. فالمياه الجوفية تتجمع أكثرها في شقوق الصخور النارية مثل جبال الحجاز والسروات المليئة بالشقوق والمسامات التي بين الصخور وهي ما تسمح بتسرب المياه وتكوين خزانات مياه هائلة، وحين تتشابك تلك الشقوق تكوّن فيما بينها شبكة مائية لا تجد لها منفذا إلا البحار فتتخذ سبيلها إليه هربا.
وفي الوقت الذي تواجه بلادنا خطر العطش؛ أوليس من الحكمة أن نترصد لتلك المياه العذبة ونحفر آباراً داخل تلك الجبال لاستخراجها؟!
www.rogaia.net