منذ وجد الإنسان على هذه الأرض وجدت معه العلاقات الإنسانية، إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الحياة بمعزل عن الآخرين. فمارس هذه العلاقات بناءً على الثقافات التي كانت سائدة في الأمم والحضارات التي عاش فيها.
ولما جاء الإسلام أكد الاهتمام بالعلاقات الإنسانية، وأرسى قواعدها على أسس ثابتة، وقيم إنسانية، ومبادئ ثابتة، وأخلاق فاضلة، من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، التي دعت إلى تقوية هذه العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم، وحثت على حسن التعامل والرحمة والتعاطف. ففي الحديث الشريف: «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
ومع التطور العلمي الذي شمل جميع المجالات، ظهرت نظريات ومدارس متعددة في الإدارة، ومنها مدرسة العلاقات الإنسانية التي ظهرت في الثلاثينيات من القرن العشرين، كرد فعل للنظريات الإدارية التي وضعت الحوافز المادية في مقدمة اهتمامات العاملين، وأهملت العلاقات الإنسانية. حيث اهتمت هذه المدرسة بالجانب الإنساني والاجتماعي والنفسي للعامل، ونظرت إليه على أن له مشاعر ينبغي احترامها ومراعاتها، وهذا يؤدي إلى زيادة إنتاجيته في العمل.
ومما ساهم في انتشار مدرسة العلاقات الإنسانية في المؤسسات الإدارية وغير الإدارية ميل العاملين في هذه المؤسسات إلى تكوين تنظيمات غير رسمية فيما بينهم، وكذلك أثر الحوافر المعنوية في تحفيز العاملين داخل المؤسسة، وتأكيد الأبحاث الفسيولوجية أن طاقة العامل لا تتحدد فقط بطاقته الجسمية وإنما كذلك بطاقته الاجتماعية.
وبالرغم من اتفاق الباحثين على أن المحور الذي ترتكز عليه العلاقات الإنسانية هو العنصر البشري، إلا أن هناك اختلافاً بينهم في تحديد المفهوم الدقيق للعلاقات الإنسانية. وبمراجعة العديد من التعريفات التي ذكرتها المراجع العلمية التي تناولت العلاقات الإنسانية فإنه يمكن تعريفها بأنها: عمليات إنسانية تستند إلى الفضائل الأخلاقية والقيم الإنسانية والتعاليم الإسلامية، تمارس بين أفراد المجتمع، أو بين أفراد أي مؤسسة عاملة فيه، من أجل تحقيق رضا الخالق سبحانه وتعالى، وتحقيق الأهداف التي يسعى إليها كل فرد، أو تسعى إليها مؤسسات المجتمع.
وفي نطاق المؤسسات التربوية شهدت الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً بفاعلية البيئة المدرسية في تطوير وتنمية العمل التربوي، فعقدت لذلك المؤتمرات والندوات وأجريت الدراسات، سعياً للبحث عن أنسب الأساليب والوسائل لزيادة فاعلية البيئة المدرسية، حتى تحقق أهدافها المنشودة في تطوير وتنمية المجتمع.
وقد أشارت الدراسات التربوية إلى أن فاعلية البيئة المدرسية تزداد بزيادة فاعلية العلاقات الإنسانية، وذلك أن المناخ التعليمي -المادي والمعنوي-يؤثر سلباً أو إيجاباً على مستوى الأداء التدريسي والتحصيلي والإداري داخل المؤسسة التربوية، كما أن هذه العلاقات تعد عنصراً أساسياً لنجاح المدرسة في تأدية وظائفها، وتفاهم منسوبي المدرسة وتآلفهم، مما يزيد من تفاعلهم وتعاونهم في تحقيق أهداف المدرسة التربوية، إضافة إلى أن العلاقات الإنسانية تحقق الراحة النفسية والطمأنينة والرضا للعاملين في المدرسة وطلابها، مما يزيد من النتائج الإيجابية التي تسعى لها المدرسة، كما أن العلاقات الإنسانية الإيجابية داخل المدرسة تعزز من الانتماء لها ولمهنة التربية والتعليم.
وقد أوصت العديد من الدراسات التي تناولت موضوع العلاقات الإنسانية في المؤسسات التربوية بالعديد من التوصيات لزيادة فاعلية العلاقات الإنسانية داخل البيئة المدرسية، ومن أبرز تلك التوصيات، ما يلي:
1 - الالتزام بتطبيق معايير اختيار المعلمين والهيكل الإداري في المدرسة والعاملين في إشراف الإدارة المدرسية، باختيار من يتمتعون بمهارات متميزة في العلاقات الإنسانية.
2 - عقد دورات تدريبية إلزامية أثناء الخدمة، للمعلمين والهيكل الإداري في المدرسة، تتناول أهمية العلاقات الإنسانية، وفنونها المختلفة.
3 - تفعيل الأنشطة المدرسية الصفية واللاصفية، وذلك بدعمها وتنويعها وإشراك أكبر عدد من المعلمين والطلاب في برامجها.
4 - أن تفتح المدرسة أبوابها وتقدم ما لديها من إمكانيات مادية وعلمية وفنية لخدمة المجتمع المحلي، وذلك لتوطيد العلاقات الإنسانية بين منسوبي المدرسة وأفراد المجتمع.
ومن خلال العمل في الميدان التربوي وسعياً لتفعيل العلاقات الإنسانية من أجل نجاح المدرسة في تأدية رسالتها أؤكد على المعاملة الطيبة بين مدير المدرسة والمعلمين وبين المعلمين والطلاب، وأن يسود الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف في المدرسة، والاهتمام باللقاءات غير الرسمية بين إدارة المدرسة والمعلمين، ومراعاة وتقدير الظروف التي قد يمر بها أحد منسوبي المدرسة وعمل اللازم تجاهه. ونظراً لعدم عصمة أي إنسان من الوقوع في خطأ أو تقصير فأشير إلى أهمية تقبل التوجيه والنقد الهادف، وفي المقابل الاعتذار عند تأكد وقوع الخطأ أو الزلل.
أخيراً: لقد حدد ديننا الإسلامي والتوجيهات التربوية الرسمية وغير الرسمية أهم المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية، والتي لابد أن نطبقها لبناء علاقات إنسانية فاعلة في بيئتنا المدرسية، كي تساعدنا كتربويين على تحقيق أهدافنا التربوية التي ننشدها.