حفل التاريخ الفكري العربي على مر العصور بشعر الغزل بالنساء ولا أعلم إن كان النساء قد مارسن نفس الشيء؟ ولعل التشبيب في استفتاح القصائد كان من الأمور المستحسنة حتى أن قصائد قيلت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم والشاهد هنا قصيدة زهير بن أبي سلمى.
بانَتْ سُعادُ فقَلْبِي اليومَ مَتْبُولُ
مُتَيَّمٌ إثْرَها لَم يُفْدَ مَكْبولُ
وما سعادُ غَدَاةَ البَيْنِ إذ رَحَلُوا
إلا أَغَنَّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ
هيفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً
لا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنها ولا طولُ
تَجْلو عَوَارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتَسَمَتْ
كأنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعلُولُ
وهي من المعلقات التي فاخر بها العرب، واقتربت من أدق التفاصيل لكنها لم تهتك سترا.
لكن لا أدري ما سبب الانتكاسة التي أصابت الشعر العربي فصار التشبيب من المحرمات وفقدت ذائقة الشعر أرق الجماليات، بل فقدت حرية الشعر والشاعر في صدق المشاعر والشعور؟؟ هل كان للتشدد الوعظي أثر في تغييب ميزة رفيعة في الشعرالعربي حتى صار الشعر مصاباً بجفاف أثر على حياة الحب والمحبين.
مناسبة هذا المقال محاولة مني لاستشراف الحظ على تطرية المشاعر وتليين الخطاب الشعري بما يناسب تذوقاً راقياً للشعر العاطفي الجميل المبهج للنفس.
كم كان شعراء العرب بارعين في التصوير لمشاعر الحب واللوعة في الحب ومساراته الجميلة، ولا أعلم أن الشعر الغزلي كان محل احتقار أو تأنيب حتى عند ذكر اسم المرأة المتغزل بها، حتى لو كانت ولادة بنت المستكفي.
كنت في ماليزيا من بضعة أعوام خلت، سائحاً في أحد الأسواق متفرجاً على عروض لبضائع، وتوقفت عند عربة فارهة، ووقفت عائلة أمريكية أب وزوجه وولدان وصبية، كانت رائعةالجمال، كان العارض شاباً أنيقاً من ماليزيا سلب لبه جمال الفتاة، وأمطرها بنظرات ملتاعة، سألته مالك يا صبي؟ تأوه وقال لي ألا ترى كم هي جميلة يا سيدي؟ قلت له لم لا تخبرها بهذا؟ حدق فيّ وقال لا أستطيع يا سيدي فالقانون هنا لن يرحمني، وسأتعرض لعقاب كبير، قلت لا بأس هل تريدني أن أخبرها ووالديها كم هي جميلة؟ ففغر الرجل وكأنه يقول: أنا بريء! خاطبت الأب وزوجه والفتاة وقلت لهم إن هذا الشاب يقول إن ابنتكما رائعة الجمال؟ ففرح الوالدان والبنت، وردا شكراً وهذا شيء جميل منك. وصافحوا الشاب الماليزي وضمته الأم ثم ضمه الأب، وصافحته الفتاة.
شكرني وقال كم أنا سعيد وممتن لك سيدي. وترجمت له شعر أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله:
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
أتراها تناست أسمي لما كثرت في غرامها الأسماء؟
إن رأتني تميل عني، كأن لم تك بيني وبينها أشياء
وكدت أقول له ما قال سيف الدولة رحمه الله:
نحن قوم تذيبنا الأعين النجل على أننا نذيب الحديدا
فترانا عند المكاره أبطالاً وفي السلم للغواني عبيدا
لكن يبدو أن ثقافة التصحر قد أثرت علينا تأثيراً بالغاً حتى أصبحنا بجفاف العواطف، وأنقل حكاية الطبيبة السعودية سارة التي تخرجت من كندا بدرجة الأستاذية في الطب الباطنين عالجت رجلاً كندياً في أحد مشافي مدينة جدة، تم له الشفاء، شكرها، مادحا إياها بالقول، لك ابتسامة حلوة أيتها الطبيبة؟ امتنت وشكرته، وتابعت علاج رجل سعودي، بنفس المستشفى وشكرها بالقول ابتسامتك جميلة يا دكتورة فردت عليه وجع في قلبك؟
ذهل الرجل؟ وانكسر خاطره؟
ترى أين الخلل؟ أهو اختلاف ثقافي مع ما كان سائداً في الثقافة العربية؟ وهل هناك فارق بين التشبيب والإطراء؟