يزيد التعاطف مع ذوي الاحتياجات الخاصة حينما تُثار قضيتهم، وينبري أصحاب القرار دفاعاً عنهم وعن حقوقهم وضرورة توفير الرعاية الكاملة لهم باعتبارهم من ذوي الفئة الغالية جداً على قلوبنا، تعاطف تُرجم بدايةً بتحويل لفظة المعوق إلى معاق
ومن ثم إلى ذي احتياج خاص وكأننا نبحث فقط عن تعلية قدر هؤلاء بالاسم، والصحيح أننا لا نخدمهم في ذلك إطلاقاً، فهم ليسوا بحاجة لإعادة النظر في التسمية - على أهميتها - لمجرد زيادة وجودهم وتداخلهم في المجتمع وتكريس ثقافة التعامل معهم من قِبَل الأسوياء، بل هم بحاجة لأعمال واقعية لتحقيق ما يتطلعون إليه بالفعل.
فعلى الرغم من ذلك التعاطف إلا أن الواقع يختلف عن ما يتم رصده بين فترة وأخرى من تصريحات وإعلانات وكلام. الواقع يقول إن كثيراً من أفراد تلك الفئة لا يزالون يتوسلون من أجل الحصول على جزء من حقوقهم، هم يتوسلون من أجل الحصول على مقعد بمدرسة، ومن أجل الحصول على وظيفة بجهاز حكومي تشعرهم بوجودهم أشخاصاً منتجين في مجتمعهم، وأثناء ذلك، هم يبحثون عن وسائل تعينهم في مشوارهم سواءً كان تعليمياً أو وظيفياً، وسائل تكفل لهم تنقلاً آمناً وحركةً لا وجود لأخطار فيها، هم يترجون المجتمع بأن لا يعاملهم معاملة خاصة ومختلفة عن البقية حتى لا يشعروا بالدونية وبالتالي بالإحباط الذي قد يقودهم لأمراض عصبية عديدة، هم يتوسلون لأن يجدوا موقفاً شاغراً لسياراتهم في الجهات الخدمية يكون قريباً من المداخل، أقول مواقف شاغرة لأن هناك من الجهات الخدمية من استشعر ضرورة التعاطف مع تلك الفئة إلا أن تلك المواقف يتم إشغالها بشكل مستمر وبعضها من منسوبي تلك الجهات الخدمية.
الرعاية الكاملة التي ينبغي توفيرها لأفراد تلك الفئة لا تقتصر فقط على توفير فرص وظيفية لهم في كبرهم، وفرص تعليمية دراسية في صغرهم، بل يجب أن يسبق ذلك توفير بيئات مناسبة لهم باختلاف إعاقاتهم منذ الصغر ومروراً بسنوات الطفولة والشباب. لابد أن نفهم أنه لا ينبغي معاملة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة معاملة مختلفة، وعلينا أن نعي أنهم جزء من المجتمع وأن أفضل ما نستطيع تقديمه لهم هو مساعدتهم في انصهارهم في المجتمع وتأقلمهم مع إعاقاتهم وانسجامهم مع أقرانهم في مختلف مراحلهم العمرية، مساعدة واقعية وحقيقية وليست تعاطفاً رمزياً.
تولي الحكومة أهمية قصوى وبالغة في رعاية أفراد تلك الفئة وقامت لذلك بإنشاء الجمعيات المتخصصة لرعايتهم وأقرت أنظمة تعليمية مختلفة هدفها دمجهم مع أقرانهم في التعليم العام بما يتناسب بالطبع مع طبيعة الإعاقة ودرجتها، ووجهت بضرورة إيجاد وظائف ملائمة لهم ولنوع الإعاقة لديهم. لكن يظل جهد الحكومة كما ذكرت في أكثر من مقال بحاجة لمشاركة واسعة من المجتمع ورجالاته، حيث لا تستطيع الدولة عمل كل شيء بمفردها ويحتاج أي توجه لها، لتفعيل ومساهمة من رجال المال والأعمال الذين لم تبخل عليهم الدولة بشيء ووفرت لهم ما لم توفره دول أخرى. برعاية للجهات الإعلامية لإبراز عمل الحكومة واهتمامها بهذه الفئة، يجب أن تقوم المؤسسات الإعلامية بتوعية المجتمع بجميع أفراده بضرورة احترام ما تسنه الحكومة من أنظمة تخص هذه الفئة حتى لا تذهب لإحدى الجهات الخدمية وتجدها وقد أفردت عدداً من المواقف الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وقد تم إشغالها بسيارات الأسوياء من الناس. على الفرد الذي لا يعاني من إعاقة أو احتياج خاص أن يقدر أنه ربما أعاق أحداً من تلك الفئة من خلال إيقافه لسيارته في موقف ذلك المحتاج، وهو دور إن لم تقم فيه الأسرة والمدرسة وجب قيام المؤسسات الإعلامية به.
لن يشعر أحد بحجم وطبيعة الوضع إلا من كان قدره رعاية ومعايشة شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولن يُعطي أحد أهمية للموضوع طالما نظر إليه من جانب واحد فقط دون توسيع زاوية الرؤية والنظر لحقوق أفراد تلك الفئة في العيش الكريم وما يتضمن ذلك من فرص في التعليم والتربية والعمل وغيرها، ولن يستقيم حال هؤلاء دون عمل حقيقي ينتج عنه نيلهم لتلك الحقوق، عمل فعلي وواقعي يتلمس فيه ذوو الاحتياجات الخاصة مراعاته لحقوقهم، لا حرمانهم منها. هذا إن أردنا فعلاً أن نستحق وصفنا بمجتمع واع ومتقدم نراعي فيه حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة أو من نطلق عليهم الفئة الغالية.
بقي أن أقول إن التاريخ يزخر بعلماء ونابغين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لعل علم بعضهم يفوق ويتجاوز مثيله لدى الأسوياء.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.