ثمة تناقض واضح بين منح الطفل القاصر بطاقة تصريح لقيادة السيارة، وهو لم يكمل بعد سن السابعة عشرة، وبين حظر قيادة المرأة للسيارة حتى وإن تجاوزت الأربعين عاماً. هذا التناقض لن أتحدث عنه من منظور «بديهي» لكني سأتناوله من خلال اتفاقيات دولية ومعاهدات قمنا بالتوقيع عليها، ومساءلون عنها أمام المجتمع الدولي الذي نحن جزء منه.
إن منح الطفل في هذا العمر حق قيادة السيارة يتناقض مع معاهدة حقوق الطفل التي قمنا بالتوقيع عليها منذ عام 1996م، والتي حددت في مادتها الأولى سن الطفولة لغاية ثمانية عشر عاماً. وفي هذا كذلك تعزيز لفكرة اجتماعية سائدة في كل عالمنا العربي وهي دائماً الكيل بالمديح للطفل خصوصاً الذكر بعبارة «أنت رجل!» وهذه العبارة تتكرر كثيراً بقصد التحفيز والتشجيع وإعطاء الطفل قدراً من المسؤولية في حين أنها في واقعها انتهاك للطفولة، لأنها ستعزّز الفكرة لديه بأنه فعلاً (كبير) وتحرمه من ممارسة طفولته الطبيعية، لأنه سيظل يثبت لوالديه ولمن حوله أنه (رجل) وقد يسقط في أخطاء - أحيانا- دون قصد، ونحن أيضاً نقع بلا قصد في خطأ كبير وحرمان الطفل من ممارسة أجمل مرحلة عمرية في حياته، أضف إلى هذا التغيّرات الهرمونية التي بدلت شكل أجساد هذا الجيل بسبب نوعية الطعام غير الصحي، والذي جعل أشكال أطفال هذا الزمن تتغير فتكبر أجسادهم ويبلغون في عمر مبكر، وهنا تقع الكارثة، في ربط البلوغ بنهاية مرحلة الطفولة، وهذا للأسف نتيجة اللبس وعدم الوعي بين التكليف الشرعي بالواجبات الدينية، والنضج. لأن الأول ليس مربوطاً بالثاني، إلا أن إسقاطات اجتماعية عاثت في ثقافتنا حتى جعلتنا ننتهك الطفولة دون قصد ودون أن نشعر.
كل العوامل السابقة، هي التي ربطت في ذهن الطفل (الذكر) الذي يغضب لو تم تذكيره بطفولته لأنه بالغ، مع أنه لو تم تحديد سن الطفولة بما ذكرته اتفاقية حقوق الطفل لساهم هذا في تغيير هذه الثقافة، ولساهم في أن يعيش الطفل مرحلة كاملة حقيقية لطفولته، هذه العوامل جعلت الطفل الذي لم يكمل عمره اثني عشر عاماً يجلس خلف مقود السيارة، وبعض الأحيان تشجعه أسرته على هذا في ظل عدم وجود قدرة مادية على جلب سائق، أو كان هناك سائق لكنه سافر أو هرب، ولأن أمه الناضجة العاقلة ممنوعة من قيادة السيارة، فيقودها هو بكل ثقة واطمئنان، وخصوصاً أنه أمن جانب المحاسبة! هذا لا يجعلنا نستغرب حينما نقرأ إحصائية إدارة المرور عن عدد الحوادث التي حصلت العام الماضي والتي وصلت إلى ما يقارب نصف المليون حادث، يموت فيها يومياً 17 شخصاً، 75% منهم من الشباب، في الحقيقة رقم مرعب ووفيات يومية قد لا تحصل حتى في الحروب!
أيضاً النظام المروري الذي يمنح الطفل تصريحاً لقيادة السيارة، يعزّز تلك الأفكار الملوثة ويتعارض مع سلامة وأمن الأطفال وأقصد بالأطفال ممن هم دون سن الثامنة عشرة، كما عرّفت هذا اتفاقية حقوق الطفل، وأجمع عليه معظم العلماء المتخصصين في هذا المجال.
في الوقت ذاته، تُمنع المرأة الراشدة العاقلة من قيادة السيارة، وهذا لا يتعارض مع مادة أو مادتين من اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقّعت عليها المملكة عام 2000م، بل هو يتعارض مع كل مواد الاتفاقية. أيضاً يتناقض مع الثقة التي تُمنح للذكر حتى وإن لم يصل إلى سن الرشد، والتشكيك وعدم الثقة في المرأة التي لا تصل إلى سن الرشد طوال حياتها!
www.salmogren.net