200 صفحة من القطع الكبير
هذا شأنه اختار لعدسة كاميرته التقاط الصورفي ضوء خافت. وما أخاله يقوى على ترسم ملامح شعوره دون ضوء.. أو دون فلاش يحدد له ملامح صُوَره.. لا يهم.. ما يعنينا التعرف على مرئياته من خلال مرآته الشعرية اللاقطة.. للحب والجمال مقاييس في قاموسه:
القلب حنَّ إلى الجمال
فراعه ما صابهنَّ
كل المقاييس التي
بالأمس ضاعت عندهنَّ
هند تقول لأختها:
عيشي الحضارة مثلهن
شد الجمال رحاله.
والقوم لم تلحق بهنَّ
قلت الحياة جميلة
والصبر يُقربُ منك هن
ويعطي للحسن أوصافه وإنصافه..
إن الجمال توازن
في الخلق يغري كُلَّهنّ
إن الجمال محبة
تُعطي وتؤخذُ دون منَّة
إنه أيضاً في حساباته شراكة حياة فاعلة.. وأخلاق.. وقناعة.. وطاعة.. وتوافق بين طرفين لا مكيدة فيه ولا جفوة معه..
حبيبته شقراء تسكن عمق أعماقه بذكرها وبذكرياتها:
الذكريات لحب الوشم تدعوني
بأن أبوح بأسراري ومكنوني
ما كنت أحسب أني قادر أبداً
على الوفاء بما يكفي.. أعينوني
شقراء قمة مجد شامخ عُرفت.
أمجادها سُجلت واليوم ترجوني
جو الربيع بها يحلو لساكنها
إن أمطرت أصبح الإسراع يحدوني
قليل من كثير قاله عن مسقط رأسه.. وماضيه يوم أن كان طفلاً يفرح، ويمرح.. ويسرح بين أزقتها وحول كثبان رمالها الذهبية.
ومن وصية أبن لأبنائه أجتزئ هذه الأبيات ملؤها النصيحة لفلذات أكباده:
بَنيَّ خذوا النصيحة من أبيكم
وأوفوا الدرس كيلاً من ضحاها
فخطط ما تريد. وكن حريصاً
لكسب سعادة من مبتداها
ولا تنقاد يوماً للتمني..
وأحلام تجيء.. ولا تراها..
بين مخاطبة أولاده في أول بيت. ومخاطبة الفرد الواحد خلل يحسن تقويمه وتعميمه في كل مقطوعته.. وفي أطره وسياقات تعبيره.
شاعرنا يؤمن بالنصيحة.. وبمقولة «صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك..»
لي صديق كلما أنبَّني
زاد حبي فيه أضعافاً عديدة
كلما صوَّب نحوي تُهمة
أبرز الأقوال أفعالاً سديدة
لا تقل تهمة يا عزيزي.. وإنما خطأ.. التهمة تتجافى وروح الصداقة.. الصديق يتطلع من خلال مرآة شفافة لا غبار عليها.
هذه المرة يناشد أمته العربية وهي تخاصم بعضها البعض.. وتكيد لبعضها البعض..!
ماذا دها يعرب في عقر دارهمو
من شدة الحرص أم شدة الوهم
حرصاً على سلامة الشطر الأخير وكي يؤدي اغراضه يحسن أن يكون كالتالي:
أنزعة الكره فينا سُطرتَّ بدم
ما هكذا عَلَّم الدين الحنيف لنا
ولا لآبائنا بل حث بالعصم
وأيضاً الشطر الأخير أرى صحته كالتالي:
ولا لآبائنا.. بل جاء بالقِيم
شهيد بدموعه الساخنة يبكي يوم عيد أضحى
الناس في عيدهم ضحوا بأضحية
أما أنا فشقي القوم ضحّابي
ضحّابي الغدر قبل العيد منتشياً
كأنما أنا كبش عند قصاب..
وفق ما أتصور مفردة «ضحابي» تأتي هكذا «ضحّى بي»
أسقاني المر حتى صرت حنظلة
وصار بعضي لبعضي يشتكي مابي
أبيات ثلاثة جميلة في سردها وحبكتها الجنائية..»التضحية». جاءت موقعة..
وعن الواقع المر يتحدث شاعرنا السدحان:
عيني ترف.. وقلبي اليوم يُعتصر
والقدس يُسحق والأنبار تحتضر
أما الفرات فقد جفت شواطئه
سال بالدم.. وهو الأخطر الخطر
بعض هنات أرجو ملاحظتها.. القدس تُسحق.. جفت شواطئه... وسال بالدم لا علم ولا خبر
ويختم بكائيته بهذا التساؤل:
ما بال مشرقنا قد صار ملتهبا
تجرَّع السمَّ حتى صابه الخور؟!
لكل معركة راية.. ومعركة شاعرنا بمائة راية هكذا أعلن:
سالت دمانا على أيدي أعادينا
لا. بل نسيتُ فقد سالت بأيدينا
الكل ينحر بعضا وسط عالمنا
كأنما نحن قد صِرنا المعادينا!
لا بارك الله في من قاد معركة
بين الأقارب حتى صار يبكينا
ويُضحك الكلَّ من جهل بنا عَلَنا
لأننا اليوم فرَّحنا العدا فينا!
جرح أمته النازف يثير وجعه.. ومناشدته:
ما للعروبة قد نامت بجامعة
واستيقظ العنف غصبا عن مبادينا؟!
لنرفأ الفتق. إن الفتق متسع
أخاف من رافئٍ للفتق يخزينا!
الشطر الثاني أحسبه كالآتي
واستيقن العنف حتى كاد يفنينا
لم تكفه مصائب ومصاعب أمته.. وإنما مَدَّت إليه سهمها الجارح في سوق الأسهم ليسلمه إلى يأس الإفلاس مثل كثيرين غيره فقدوا مدخرات حياتهم بين ليلة وضحاها في لعبة مضاربين متوحشين ضربوا ضحاياهم في قسوة لا تعرف الرحمة.. واستلبوا ما في جيوبهم جهاراً نهارا دون خوف أو خشية، ولا حتى مساءلة..
لي شاشة كلما حركتها خربت!
تقول إني قد زوجت مسيارا
ما بال قومي قد باعوا شراكتهم
كأنما ينحتون الصخر إعمارا
هذي الكياسة قد ألفت مكاسبها
لا يرغبون من الأصحاب أخيارا
أرهقت نفسك كي تخدمك شاشتهم
في كل يوم تجيء الصبح مختارا
لكن جهدك لم تفلح نتائجه
وكل جهد بذلت اليوم قد طارا
أن يتهم الذين غدروا به.. وبغيره.. ربما يعرفهم أو لا يعرفهم.. وبلغة مضطربة كاضطراب سهام أسهمه..
ما أتعس العيس يأتي للفتى نكداً
منغصاً من صديق لم يزل جاراً
وبغضبة المهزوم المنكسر:
بلَّغ جهينة أني سوف أهجرهم
وأقفل الباب غصبا لست مختارا
من لا يودك لا تكثر زيارته
فرُب يوم يجيء الخصم زوارا
لعله يريد أن يقول:
فرب يوم على العاتين دوارا
أي ضحايا جدد لم يتذوقوا بعد الطعم.. ويحيق بهم ما حاق بغيرهم من إفلاس.. نقول لشاعرنا لست وحدك الذي وقع في شراك الأشواك.. ولم يعد حتى بخفي حنين.. ولا من عيد المولد بحمَّص كما يقول المصريون.. وإنما بالخيبة داخل عليه.. وعلى فهم عبارة الشاعر الذي يقول: «ما أنت أول سارٍ غزه قمر!».
ولأن صديقنا بعد العضة الأولى لم ييأس.. لملَم ما في جيبه.. وجيب المقربين إليه لعل وعسى.. وعاد من جديد يعاود الصرخة من ذلك الضارب المضارب. والمسعور:
حلَّق السهم وطار
مرَّة من بعد مرَّة
يومها الوقت قصير
قد تبادلنا المسرة
ووردنا الحوض جمعا
فعرفنا منه سره
ونهلنا منه حتى
صيَّر الواحد عشره
فطمعنا في ازدياد
وسقانا كل مُرَّة
يومها حلت علينا
خمسة من بعد عشرة
فترى الشاشة حمرا
كلها من دون خضرة
وترى الوجه عبوسا
حائرا تعلوه صفرة
وتسوء الحال حتى
يهجر الواحد صهره
أبيات شاكية لا تخلو من ظرف وطرافة واقع كثيرين حالهم كحال شاعرنا مروا بتجربة مذاقها مرُ كالحنظل وأكثر..
تذكر من جديد نخل بغداد وهو يهتز على وقع القذائف والصواريخ التي أحالت ليلها إلى نهار مشتعل..
اليوم دجلة يشكو ما ألمّ به
إلى الفرات. ولكن ليس يسمعه
من شدة القصف أضحى عنده صمم
وأصبحت لغة التأشير ديدنه..
حتى النخيلات في بغداد باكية
تُسقى من الدم غصبا وهي تمقته
وفي المساء يلوك الحزن خضرتها
لم يبق شيئاً من الأفراح تمنحه.!
وأيضاً لا يمل من استرجاع الوجع وبلغة لا تخلو من ضعف..
بغداد تشكو إليكم ما ألمّ بها
أنهار دم بها تجري وتختصم
يا أمة العرب إن الله وجّهكم
قولاً ولم يبق إلا الفعل فاعتصموا
الغرب أودع فيكم نبته زرعت
منذ القديم وأسقاها لتختصموا
الغرب يرتع دوما في مصالحكم
ويدعي أن قد صانها لكمو!
ماذا يرجى إذا من أمة خدعت
أبناء جلدتها بالكذب..ويلهمو
في مواطنكم أنسب من في «مصالحكم»
ثوم شاعرنا أصبح يشكو ريحة البصل!!
شارون يبني جدار الفصل سمَّاه
ونحن نبني جداراً اسمه الآه
واحرّ قلباه ممن قال إنهمو
يحمون أنفسهم من صبية تاهوا
لم يبق إنس ولا جن بغزتنا
إلا تأذى وسيم الخسف إياه
تلك الموازين قد صارت مطففة
فقالت الثوم للبصلات ويلاه..
أخيراً مع الضمير الذي يشتكي للضمير:
رباه مَن لمحاصر؟
رباه.! للشعب الأسير!
اليوم غزة أغلقت
والحق ضاع بلا نصير
والكل صار مُحاصرا
واليوم ينعق بالمصير
الشعب يخنق عنوة
والبيت هُدّ على الصغير
سدوا المعابر كلها
حرقوا الصغير مع الكبير
رباه لم يبقَ سوى
شكوى الضمير إلى الضمير
هنا.. ومع الآهات والكلمات الراجفة المحاصرة.. مع الأبيات المسكونة بالشكوى.. مع عدسة التصوير التي التقطت مشاهدها وشواهدها عبر ضوء خافت لشاعرنا محمد بن سعد السدحان.. لا تبقى من كلمات الرحلة إلا أن أقول لكم إلى لقاء إن كان في العمر بقية.. وأقول لشاعرنا المزيد من العطاء الأفضل والأجمل فأنت المؤهل.
الرياض ص . ب 231185الرمز 11321 فاكس 2053338