للعرب القدماء مآثر عظيمة رسموها شعراً ونثراً في تراثهم وأدبياتهم ونقشوها على صفحات التاريخ ومن تلك المآثر التي ما تزال مشرقة ومضيئة الشجاعة والكرم والنخوة والمروءة وهي متوارثة بين العرب ومائلة للعيان حتى اليوم! ولكن ما يؤلم ويحزن حقاً لوثة المبالغة التي تلبست العرب وانتشرت فيهم كما تنتشر الكوليرا ربما منذ أن قال الشاعر عمرو بن كلثوم معلقته الناضحة بالمغالاة والمبالغة والمكابرة الجوفاء حيث قال فيها:
ملأنا البر حتى ضاق عنا ونحن البحر نملأه سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً تخر له الجبابر ساجدينا
وقد سار معظم القادة والخطباء والأدباء والشعراء العرب على خطى الشاعر عمر بن كلثوم في المبالغة والمكابرة مع أنهم يدركون تماماً أن ذلك الشاعر الذي يقلدونه لم ير البحر في حياته ولم يكن يملك شيئا من خشب أو حطب يطبخ عليه طعامه فكيف يمكنه أن يملأ البحر بالسفرن والأساطيل! ولكنها لوثة المبالغة والتنطع التي تقلب الحق والحقيقة إلى كلام يثير الاشمئزاز والضحك!
هذا الإسقاط يليق بتاريخ العرب الحديث المليء بالعنتريات الكاذبة والمبالغات التي تستدعي الشفقة والرثاء فبعد اغتصاب فلسطين دخلنا عدد من حروب وهمية مع إسرائيل كنا نسقط مئات الطائرات وكأنها ذباب وندعي بأننا سنلقي اليهود في البحر، وكنا في الواقع ننهزم في أغلب الحروب ونخسر الحروب في ساعات معدودة للأسف الشديد ولا أريد هنا أن أضع الملح في الجرح فأذكر قصص الظافر والقاهر أو أسلحة الدمار الشامل والسلاح المزدوج الذي كان العراق سيحرق به نصف إسرائل ما كنت أود الدخول في مثل هذا المنحنى الذي قد يعجب أخينا العزيز الأستاذ إبراهيم البليهي الذي كثيراً ما أوجع العرب بقلمه الجارح.
وخلاصة ما أود الإشارة إليه هو أن لوثة أو وباء المبالغة ليس حكراً على العرب بل لعله انتقل بالعدوى من العرب إلى شقيقتنا دولة إيران الإسلامية التي تتحدى أمريكا وأوروبا بصواريخ رعد وشهاب والعديد من الأسلحة البحرية والبرية والجوية.. وهي تعلم ما تملكه أمريكا وأوروبا من قنابل ذرية وهيدروجينية ونيتروجينية وحبذا لو خففت إيران من لهجة التحدي والمبالغة في استعراض القوة وقانا الله جميعاً من شر المبالغة التي قد تورث الندم نتمنى للشقيقة إيران الخير والسلام ونتمنى أيضاً أن لا تقع في فخ المبالغة والاعتداد بالنفس ومن حذر سلم كما يقول المثل!
وكل ما نتمناه أن نعيش وياها في هذه المنطقة في سلام وأمن وليس من ملك حفنة من القنابل والصواريخ هدد جيرانه ولعب بأمنهم بشتى الطرق والألاعيب كما نقرأ ونسمع عن ما يجري بتدبير من إيران في كل من الكويت والبحرين وإغواء جماعة حزب الله في لبنان للكيد للعرب والمزايدة عليهم في كل مناسبة ومكان.
إن الأخوة الإسلامية التي تجمعنا مع الأخوة في إيران تقتضي أن يكون بيننا من الوشائج ما يجعلنا معهم يكمله لبعضنا البعض بدل هذا التوجس والشكوك التي تغذيها تلك العناصر الحاقدة والدويلات الصغيرة التي تحاول أن تكبر لطلوعها على أجسادنا وها هي تطلب علينا صباح مساء من أقاصي الجزر والوهاد والشعاب أن إيران مدعوة إلى كلمة مخلصة بيننا كعرب ومسلمين بيننا وبينها فعسى أن تتحقق تلك الأمنية قبل فوات الأوان!
- الرياض