إن المراقب لما يحدث في أروقة منتدى دافوس الاقتصادي خاصة النقاشات الحادة والتصريحات النارية المتعلقة بأسعار النفط في الأسواق العالمية واحتمالية ارتفاعها فوق الـ100 دولار للبرميل وتأثير ذلك السلبي على استمرار الانتعاش الخجول للاقتصاد العالمي يجد أن هذه الظاهرة وهذه النقاشات والتصريحات كانت موجودة في نفس المنتدى وتحت نفس الظروف النفطية قبل 3 أعوام وذلك في شهر يناير من عام 2008م عندما وصلت أسعار سلة أوبك قريباً من الـ100 دولار للبرميل (انظر الرسم البياني). والسؤال هنا هل يعيد التاريخ نفسه ونقول كما يقال في العامية المصرية دافوس والنفط: كلاكيت ثاني مرة؟
في تلك الفترة الزمنية كانت تصريحات المسؤولين في منظمة أوبك بأن هذه الارتفاعات ليست بسبب نقص الإمدادات (كما هو الحال الآن) ولكن بسبب المراهنات والمضاربات غير الشرعية (البترول الورقي) في الأسواق العالمية بالإضافة إلى عدة أسباب أخرى ومنها الكساد الذي أصاب قطاع العقار العالمي وخاصة في أمريكا ودول أوروبا الغربية مما أدى إلى هجرة الكثير من الاستثمارات المالية من هذا القطاع إلى قطاع الاستثمار في عقود النفط الآجلة. في تلك الحقبة الزمنية القريبة لم يتعامل العالم مع هذه الظاهرة السلبية بشكل جماعي وجدي حيث تجاهلت الدول التي تسمح بالمضاربات غير الشرعية والدول المنتجة للبترول هذه الظاهرة مما أدى إلى وصول سعر بترول سلة أوبك إلى فوق 140 دولار للبرميل ومما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية ومن ثم الانهيار والكساد الاقتصادي العالمي وتبعاته السلبية منذ النصف الثاني من عام 2008م حتى وقتنا الحاضر على جميع دول العالم وفي مقدمتها الدول الرئيسية المنتجة للبترول.
أعتقد أن العالم تعلم درساً قاسياً عام 2008م ولن يسمح بتكرار هذه الظاهرة السلبية مرة أخرى حيث نلاحظ تحركات دولية بعضها علنية والكثير منها سرية لعدم تكرار ما حدث عام 2008م والعمل الجاد من قبل الدول المنتجة للبترول داخل وخارج منظمة أوبك والدول المستهلكة للبترول وفي مقدمتها أمريكا للحد من هذه الارتفاعات. كما أن الحالة الاقتصادية العالمية في تلك الفترة الزمنية تختلف تماماً لما هو عليه الحال في الوقت الحاضر, فلا أعتقد أن العالم يستطيع تحمل كساد اقتصادي جديد خاصة عندما ننظر إلى الدول الكثيرة التي لا تزال متأثرة بشكل مباشر بنتائج كساد عام 2008م وخاصة بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها اليونان والبرتغال.
فنجد مثلاً تصريحات الكثير من مسؤولي قطاع النفط العالمي، المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس التي تشير إلى قلقهم من ارتفاع أسعار النفط وتأثيره السلبي على انتعاش الاقتصاد العالمي بما فيهم رؤساء شركات النفط العالمية الرئيسية ومنها شركة البترول الملكية الهولندية (شل) وشركة البترول البريطانية (بي بي) الذين أجمعوا هم والكثير من المراقبين والمهتمين بشؤون الطاقة على وجود مؤشرات إلى نمو خجول للطلب العالمي للطاقة خصوصاً من آسيا والأسواق الناشئة. بناءً على هذه المُعطيات أتوقع تكاتف الجميع بما فيها الدول الرئيسية المنتجة للبترول داخل وخارج منظمة أوبك والدول الرئيسية المستهلكة للبترول للعمل على منع تكرار ما حدث عام 2008م إما بزيادة الإنتاج العالمي أو بالحد من المضاربات غير الشرعية والاستثمارات في أسواق النفط أو بهما جميعاً.
www.saudienergy.net