إن التناقضات الحقوقية التي يتمسك بها الآباء تجاه تزويج بناتهم تدفعنا للتساؤل عن مساحة التصرف التي منحها الدين الإسلامي لأولياء الأمور في حياة بناتهم والتحكم بها متى ما شاؤوا؟! فهل هذه المساحة تمنحهم حق التأديب لدرجة التعذيب؟ أو التزويج بالقوة والتهديد؟ أو المنع من الزواج تحت الضغط والتعنيف والحرمان من أبسط الحقوق الشرعية؟ فالقصص التي تداولتها وسائل الإعلام لفتيات صغيرات تم الزج بهن في حياة زوجية غير متكافئة وتسبب ذلك في إقبالهن أو التهديد بالانتحار، أو هروبهن ودفعهن لممارسة المحظور أخلاقياً أدى إلى تحويل مسار حقوقهن من الاتجاه المتضرر إلى المتهم. فهذا هو الظلم بعينه! أيضاً تلك النماذج التي يتم تداولها إعلامياً عن فتيات تم عضلهن بحجة القبلية، ما هي إلا مؤشر على توارث مصير النساء توارثاً قبلياً بشعاً لا يمت للدين الإسلامي بصلة، بل نتيجة لأعراف قبلية لا بد أن يكون للقضاء لدينا سلطة عليها أقوى مما هي عليه الآن. فالبيان القوي بمضمونه الذي أصدره معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان «بندر العيبان» بشأن عضل الفتيات ومساعي الهيئة لتضمين «العضل» ضمن الجرائم التي نص عليها نظام مكافحة الاتجار بالبشر والتي تصل عقوبتها إلى السجن خمسة عشر عاماً، ومطالبته الهامة للهيئات القضائية بتسهيل إجراءات الترافع والتقاضي لهذه القضايا والسرعة في نقل الولاية من الظالمين لمن يليهم من الأولياء الشرعيين العادلين، لدليل على وجود الخلل في آلية متابعة هذه القضايا في المحاكم والتي تطول لسنوات وقد يصدر الحكم في النهاية لصالح ولي الأمر خوفاً من تمرد الفتيات على آبائهن!، وكذلك في نوعية الأحكام الصادرة تجاه هؤلاء الآباء الذين اعتبروا أبوّتهم بوابة مشرعة لممارسات قاهرة ضد إنسانية بناتهم، وهذا دليل واضح للأسف الشديد على أن التقاضي ضد ولي الأمر وخاصة «الأب» دهاليزه مظلمة وقد تظل القضية لسنوات حتى تنتهي لصالح هذا الولي أو بتنازل المتضررة وخاصة في «قضايا العضل»! التي بحاجة لمساندة الجهات الحقوقية مع القضائية، خاصة أن نظام الولاية لدينا يحيط النساء إحاطة السوار بالمعصم فهناك من تتنفس بكرامتها واستقلاليتها الشخصية لمرونة هذا السوار تبعاً للمستوى الاجتماعي والقبلي الذي تنتمي له، وهناك من يتآكل معصمها من القروح حول معصمها لالتهاب ذلك السوار لحرارته وصلابته! فالولاية لدينا تتسبب كثيراً في قصور المرأة حتى وإن كانت واعية وراشدة، وتمنح الولي القوة حتى وإن كان سفيهاً لا يؤدي واجباته الشرعية، ولا يدرك حقوقه! بالرغم أن ديننا الإسلامي حرّم العضل لأنه ظلم، وإضرار بالمرأة في منعها حقها في التزويج بمن ترضاه وذلك لنهي الله سبحانه وتعالى عنه في قوله مخاطباً الأولياء {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} البقرة آية 232. ومع اختلاف المذاهب الأربعة في انتقال الولاية لأحد آخر أو استقلالها حينئذ بقرار زواجها أكد بعضها «بأن الولاية تنتقل إلى السلطان، لقول النبي عليه الصلاة والسلام «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»! فالحقيقة المؤلمة والمسكوت عنها بأن تكاتف الجهات القضائية مع الجهات الحقوقية تجاه هذه القضية مازال بحاجة لتحرك أقوى، ومازال التعامل الروتيني يحيط بها من جميع الجهات مما أثّر على رفع الظلم و نصرة من تكون تحت ظلم الولي الذي يقف حائلاً أمام نسائه لممارسة حقوقهن المشروعة في الزواج، وأن لا يتم مراعاة خواطر مثل هؤلاء الآباء ليقفوا جبالاً شامخة أمام مستقبل بناتهم.