لا أحد يشك إطلاقا في مهارة وقدرة وسرعة إنجاز أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مباشرة الحوادث الأخلاقية في الأسواق العامة والمطاعم، لما لديهم من إمكانيات هائلة في الكوادر البشرية والمادية، فضلا عن حماسهم وإخلاصهم، وهو جهد يشكرون عليه.
ولعل مصطلح (الهيئة) ارتبط في أذهان الناس بمحاربة المشاهد المخلة، والعلاقات المحرمة أو المشبوهة. بينما وظيفته أشمل من ذلك. ففي تعريف الحسبة المصطلح المرادف لهيئة الأمر بالمعروف هي (رقابة إدارية واجتماعية وأمنية، لتعلق واجب الحسبة بمراقبة الأخلاق والدين والآداب العامة والاقتصاد والأسواق وغيرها - أي مجال نشاط الأفراد - وتقوم بها الدولة عن طريق موظفين خاصين تحقيقا للعدل والفضيلة).
ومن خلال هذا التعريف يظهر اتساع أدوارها ومناشطها وعدم اقتصارها على مواقف ردود الأفعال أو التبليغات، حيث ينبغي تجاوزها إلى القيام بالأفعال، ومن ضمن ذلك ضرورة ممارستها مراقبة البيع والشراء والغش والتدليس والاحتيال في الأسواق وتنظيم واقعها ومنع التظالم فيها كأحد أدوارها المهمة في ظل تقاعس وزارة الصحة وأمانات المناطق والبلديات.
ويؤكد ما أقوله ما أشار إليه عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله بن محمد المطلق حول مسؤولية الاحتساب في الأسواق لاسيما سوق العلاج الشعبي. يقول الشيخ المطلق: (لقد كثُر في هذا الزمان محلات تبيع الأدوية الشعبية يشرف على بعضها أناس ليس لديهم شهادات علمية، ولم يُعرفوا بتجربة مشهود لها من أهل الخبرة، يبيعون خلطات شعبية لم يحسنوا مقدار الخلط ولا عدد الجرعات اليومية وهم يسيئون تطبيق ما ورد في كتب الطب النبوي من غير دراية، فلم تعمل على أيدي خبراء. ويجعلون ذلك مصدر رزق وتجارة يروجونها فيأكلون بها أموال الناس بالباطل، ويضرون أبدانهم).
وكلنا ندرك أن سوق الأعشاب ومحلات العطارة على وجه التحديد لم يتوقف الأمر فيها على البيع، ولكن تجاوزها إلى التشخيص وصرف الدواء وتركيب الأدوية، بل وخلطها بمستحضرات طبية ومواد كيميائية بمقادير عشوائية دون اعتبار للأعراض الجانبية المحتملة أو الواقعة، ودونما تحذير من تجاوز الجرعات. وبرغم خطورة هذا الأمر على الصحة إلا أن لا أحد يتحمل مسؤولية هذه الفوضى، حيث لم يثبت أن وجهت التهمة لأي شخص من الباعة المحتالين والمتطببين على حساب جهل الناس. وبحسب الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تطبب ولم يعلم من قبل ذلك الطب فهو ضامن) ولأنه ليس ثمة دليل على تسبب أولئك المحتالين بتلك الكوارث، لذا فهم بمعزل عن العقاب، مما يجعلهم بعيدا عن المحاسبة لضعف الرقابة وعدم وجود جهة تحمل المسؤولية. وكثيراً ما نسمع عن حالات وفيات أو حصول أمراض مزمنة من أكثرها التليف الكبدي أو الفشل الكلوي.
وحري بالرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممثلة في رئيسها النشط المتنور الاضطلاع بهذه المهمة الشرعية والإنسانية والاجتماعية، حيث إنها من أحد الأسباب التي تقربهم للناس وتقرب الناس لهم، وتؤصل الثقة بهم والرضا عنهم، وهو ما تسعى له الرئاسة مؤخرا، باعتبار أن وظيفة الحسبة رقابية وإصلاحية وبديلة عن بعض الدوائر التي بان ضعفها وظهر بعض فسادها. ولا ريب أن استحداث الوسائل البديلة الصالحة للناس هو سمة حضارية لمجتمع ينشد الإصلاح.