عجيبة حال أولئك الذين مازالوا يصرون على وهم أن «التعليم مختطف» ومما يزيد من حالة العجب والاستغراب أن القائلين بهذا بعيدون كل البعد عن شؤون التعليم العام وشجونه، بعيدون عن مدخلاته وعن عملياته، ويبدو أن آخر عهدهم به عندما كانوا طلاباً على مقاعد الدراسة، ولو سألت أحد هؤلاء عن الدلائل والبراهين التي اعتمد عليها في الإصرار على ترديد مقولة: «التعليم مختطف»، لما وجدت عنده جواباً منطقياً عقلانياً، كل ما لديه ظنون وهواجس وهكذا يقول الناس، يردد ما يسمع من مقولات لا تستند على منطق صائب، ولا على تحليل موثق.
إنه زمن العجائب، حيث أصبح الكل يستطيع أن يتحدث عن كل شيء حتى وإن كان لا يحسنه، ولا يفقه فيه، ولا يعلم عن حقائقه، ولا ريب أن التعليم ورجاله من أكثر من تعرض ومازال يتعرض إلى الاتهام والتطاول والطعن والتشكيك ممن هب ودب، وذلك بالاعتماد على الظنون والهواجس، تهم تكال بكل سهولة وبساطة، ومما شجع على هذا استسلام رجال التربية والتعليم وسكوتهم غير المبرر على هذه الاتهامات التي جعلتهم في دوائر الاتهام وهم براء من ذلك، وتاريخ التعليم يشهد لقادته ورجاله أنهم ينطلقون في كل ممارساتهم داخل الفصول وخارجها، من سياسة تعليمية ملتزمة بمنهج هذه البلاد حرسها الله، سياسة واضحة الغايات والأهداف، ورجال التربية والتعليم عبر تاريخهم منتمون لوطنهم، مخلصون في أدائهم، أمناء على تربية الطلاب وتعليمهم.
الخطف من سمات المجرمين وشيمهم، لا يقدم عليه إلا أناس لا يخافون ولا يخشون أحداً، أناس تجردوا من كل القيم والأعراف، أناس لا يأبهون لأنظمة أو قوانين، أناس يعملون في الظلام، وفي الخلاوي والغرف والأماكن المظلمة بعيداً عن الأعين والأضواء. إن القول بأن التعليم مختطف إتهام لقادة التربية التعليم ورجاله المخلصين، ومفهوم الخطف والاختطاف لا يتوافق مع عمليات التعلم وأعمال المعلمين وجهودهم التي تتم في وضح النهار وبصوت عالٍ واضح، على مرأى من أعين الرقيب، ومسامع المتابعين.
لقد تجرأ هؤلاء على رجال التربية والتعليم، لأنهم يعلمون تمام العلم أن الحديث عن التعليم مطية سهلة، وساحة مستباحة، جدار قصير كلٌ يقدر على القفز عليه، وبهذا القفز سوف تحقق الكثير من المكاسب، أقلّها ترديد الاسم في المجالس والمنتديات، وبهذا ينفتح باب الشهرة وبريق الأضواء.
إن القول بأن التعليم مختطف أضحى مثل الصوت النشاز، لا أحد يلتفت إليه، ولا أحد يقتنع به أو يصدقه، لأنه لا دليل عند هؤلاء، ولهذا لعل القائلين المتحمسين لتحرير التعليم من خاطفيه أن يتفضلوا ويرشدوا المسؤولين عمّن الذي اختطفه؟ أين هم؟ ما سماتهم؟ كيف خطفوه؟ ومتى؟ ولماذا؟ وأين أعين الرقيب عنهم؟ وكيف السبيل إلى استعادته؟ هي شنشنة يرددها البعض مثل رجع الصدى، أو كحال ذاك الذي يقول سمعت الناس يقولون، فيردد دون وعي ما يتداول في المجالس والمنتديات، يردد ما يسمع دون تمحيص أو تدقيق ظناً منه أن هذه المقولات مازالت تلقى آذاناً صاغية، على الرغم من أنه مضى زمانها، فكفى تدليساً وتخويفاً، وكفى ترديد مقولة إن التعليم مختطف فقد سقطت هذه المقولة لأن الواقع أثبت أنها مجرد بوابة للطعن في التوجه العام للمجتمع وخياراته المعتمدة على أصول ثابتة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لم يتعرض جهاز حكومي للطعن والتشكيك والتحريض مثلما تعرض وما زال يتعرض له التعليم، هذه الوزارة العريقة تاريخاً، الأصيلة نشأة وتكويناً، هذه الوزارة التي ترعى التعليم العام، تخرج في مدارسها وفي معاهدها أجيال وأجيال، نهلوا من علوم الشرع عقيدة صحيحة صافية من الخرافات والبدع، وسطية في الفكر والمنهج، ومن مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية والرياضية ما هو سائد في كافة بلاد الدنيا وفق أصول هذه العلوم ومستجداتها.
ولا ريب أن تاريخ هذه الوزارة يشهد بأنها كانت ومازالت مصدر إمداد وإثراء للكفايات البشرية المؤهلة علماً وقدرة، فجل أجهزة الدولة يشهد بأن قادتها والمسؤولين فيها مروا من بوابة وزارة التربية والتعليم، فبين أحضان هذه الوزارة وفي مدارسها ترعرع كل الرواد الذين أسهموا بجهودهم المخلصة في التنمية الشاملة التي عمت كل مجالات الحياة في هذه البلاد الكريمة.