Sunday  06/02/2011/2011 Issue 14010

الأحد 03 ربيع الأول 1432  العدد  14010

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الذين يرون في الليبرالية الأسلوب الحضاري لتحقيق الحياة الكريمة للشعوب العربية، والذين يعتبرون الأنموذج العلماني هو الأصلح لحكم بلدان هذه الشعوب، دائماً ما يستحضرون حكم (حركة طالبان) لأفغانستان خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الميلادي الماضي،.....

..... للاستشهاد على سوء أنموذج الحكم الإسلامي والتحذير منه، كونه اتصف بالظلامية في نظرته للحياة، ومارس القمع الديني في فرض تعاليم الإسلام، وغيَّب الحريات العامة والحقوق الطبيعية وقهر المرأة، فضلاً عن أنه لم يتجاوب مع روح العصر بكل نظمه ومنتجاته وتقنياته، بدلالة منع تعليم المرأة، وتدمير محطة التلفزيون، وتحطيم التماثيل وغير ذلك، رغم أن هذه الحركة حطمت التماثيل لغرض سياسي بحت، ولم تدمر محطة التلفزيون لأنها أساساً لا تعمل، بحكم أن الكهرباء لا تغطي إلا (20%) من أفغانستان. نعم نتفق أن حكم حركة طالبان ليس أنموذجاً جيداً أو معبراً عن الحكم الإسلامي الإيجابي، لأن الحركة لم تحكم أفغانستان حقيقةً إنما سيطرت عسكرياً، ولأن أغلب أفرادها طلبة علم شرعي ويجهلون السياسة بشكل كبير، ناهيك عن أن الوضع الاقتصادي في أفغانستان من أسوأ وأفقر النظم على مستوى العالم بسبب نقص الموارد الطبيعية وانعدام المقومات الاقتصادية، خاصةً بعد أن أوقفت الطالبان زراعة الخشخاش الذي يُشكل مصدراً مهماً للأفيون، باستثناء الأغراض الطبية.

اليوم لم تعد الطالبان تحكم أو تسيطر، ما يعني - على الأقل - انعدام المثال الذي يستدعيه أنصار العلمانية ودعاة الليبرالية للحديث عن طبيعة النظم السياسية المطلوبة في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي.

كما يعني مواجهة هؤلاء بأمثلتهم القائمة المتعددة التي تهاوى أحدها وأبرزها في تونس، وقد كان يُفاخر العالم الغربي بتكريس قيمه الليبرالية والإعلان المستمر عن علمانيته التي تميزت بمحاربة الظواهر الإسلامية والشعائر الدينية بشكل مستفز.

ما يجعل السؤال حاضراً بقوة: من فشلت في تونس.. الليبرالية أم العلمانية؟ للإجابة لابد من التفريق ابتداءً بينهما، فالعلمانية موقف من الدين، قد يكون متسامحاً معه فيجعل له دوراً في الحياة السياسية، أو يكون محايداً إزاءه فيستبعده من الحياة السياسية ويحصر دوره في بيوت العبادة فقط، أو يكون معانداً له فيلغيه من الحياة تماماً.

أما الليبرالية فهي أيدولوجيا تقوم على فلسفة تحقيق الحرية الفردية في مستويات المعتقد والفكر والسلوك دون مراعاة للاعتبارات الدينية أو الخصوصيات الثقافية للأمة، مع ملاحظة أن العلمانية ركيزة رئيسة في الفكرة الليبرالية.

بالنظر إلى تونس منذ الاستقلال وحكم بورقيبة عام 1956م إلى سقوط حكم ابن علي مطلع 2011م تتضح حقيقة الحكم العلماني في الواقع السياسي، وسيادة القيم الليبرالية على مستوى الحياة العامة، وبهذا تأتي الإجابة جلية نقية عن السؤال السابق، وهي أن العلمانية في تونس فشلت باعتبارها نظاماً سياسياً، كونها كرَّست لديكتاتورية حزب واحد وغيَّبت جميع الأحزاب الأخرى وبالذات المعارضة تحت أكذوبة الديمقراطية المزيفة ذات النسب المئوية الشهيرة، التي لم تتحقق في أعرق البلدان الديمقراطية، كما تأتي الإجابة بفشل الليبرالية باعتبارها أسلوباً حضارياً في تحقيق الحريات العامة، بدلالة ممارسة قمع الناس والتضليل الإعلامي المستمر القائم على تكميم الأفواه، واستغلال دعوى المطالبة بحقوق المرأة في تسليعها وفق أنموذج المرأة الغربية المتحررة، وأيضاً بدلالة ارتفاع معدل البطالة ومحاربة الناس في أرزاقهم، وانتشار الفقر رغم أن النمو الاقتصادي التونسي يُعد الأول على مستوى إفريقيا، والرابع على مستوى الدول العربية.

أضف إلى كل ذلك أن هذه الليبرالية أكملت سوء المشهد السياسي العلماني بجعل الحرية وسيلة لمحاربة الظاهرة الإسلامية في أبسط حقوق الإنسان الدينية.

إذاً الفشل جاء (مزدوجاً)، وهي سابقة تاريخية لم تعرفها النظم العربية المبهورة بالحضارة الغربية لدرجة الاستنساخ أو المسخ إن شئت الدقة، في مقابل استبعاد الإسلام باعتباره المرجعية الحضارية لهذه الدولة أو تلك، وفي هذا السياق يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الله أعزكم بالإسلام فإن طلبتم العزة في غيره أذلكم الله).

هذه الجملة العبقرية والحكمة الخالدة تُلخص طبيعة الإسلام باعتباره (دين ومنهاج حياة)، وبهذا هو خلاص الأنظمة والدول من التخلف الحضاري، الساعية إلى التطور والتنمية في كل أوجه الحياة الكريمة، كما تختصر واقع الأنظمة العلمانية والحياة الليبرالية في عالمنا العربي أو الإسلامي بشكل عام.

Kanaan999@hotmail.com
 

من فشل في تونس .. الليبرالية أم العلمانية؟
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة