أصدق المشاعر ما ينبض بها الجميع، ومصداق ذلك أن المؤمنين إخوة، كما الجسد الواحد، يشتكي منه عضو، فتتداعى له بقية الأعضاء.., قول لم يُنطق عن هوى..
والشكوى لا تأتي من عدم، فالمألوم يشكو، والمأزوم يشكو.., ولا يَمتَدِح، ويفيض في الابتهاج غير مرتاح، منعَّم برضاه..
غير أن الإنسان لم يخلق لكمال فرحة، ولا لتمام حال..
فهو في رهق وكبد.., وتلك سنة الخالق في خلقه..
وابتلاءاته عديدة، بعضها يكون الصبر عليها فضيلة، ومآله المثوبة،.. وبعضها الصبر عليها صمتا، والصمت سكوت، والساكت عن الحق شيطان أخرس.. إذ لا يقوِّي فيها حتمية النطق، إلا أن تكون خطيئة لا يسكت عنها، أو مفسدة تضيع معها حقوق الناس، من الفرد فأكثر, وبعضها ظلم لا ينبغي السكوت عنه..
وأشد المفاسد ما ارتبطت نتائجها بمصالح الناس.., لذا جعل الله الولاية للأحق بتقواه، والأجدر بقدرته على التجرد، والإخلاص.., ولأن الرعاية سلطة، ولأن السلطة قوة، ولأن القوة اقتدار.., فقد أوجب الله تعالى على الولاية أن تكون عن أمانة، وتقوى، وخشية سقوط في براثن الظلم، الظلم للنفس بأمارتها، وللناس لضعفهم..
لذا أول الذين كانوا يخشون الرعاية هم الصحابة، والتابعون، ومن تبعهم بإحسان، ذلك لأنهم يعرفون ربهم حق المعرفة، فيخشون, ما له من خشية، ويتقون التفريط ما آل بهم إليه هوى النفس،, لذا كانت مواقفهم ناصعة، وزهدهم جليا، وبذلهم لأماناتهم سهرا على خشية، وسعيا بحذر، وأداء بإحسان، ورعاية بمسؤولية...
ما يحدث في العالم القريب بجوارنا، هو نتيجة جلية للتفريط في الأمانة، والتساهل في الرعاية, والتجاوز للحق، والتعالي بجهل التفريط، على القوة بحق المَنْح الإلهي للفرد على الأرض، وللجماعة في المجتمع...
لذا ينبض الشارع بمشاعر لا يقوى على مواجهتها إلا من اعتبر بما يحدث، وبمن لم يصمت عن حق، ولم يتمادَ بغرور حال..
وحق لهم هناك..., واجب علينا هنا الدعاء لهم.. أن يخرجهم الله من نكبات التفريط في الأمانة، إلى رحاب الحق الممنوح للمخلوق على الأرض, لتكون الحياة لهم، بمثل ماهي عليهم.. دارا مؤقتة، لدرب عابر... ليس يغني ما فيها عن نعيم ما هو بعدها..أو عذابه.
هي قاعدة شرعيتها سماوية، لا يضللها قانون أرضي أبدا مهما اختلف الناس، اجتمعوا على رأي, أو نبضوا بمشاعر.