قال لي أحد المعارف الأجانب، ممن قضوا معظم تجربتهم المهنية الدبلوماسية في بلدان عربية بين المحيط والخليج، إلى جانب عمله لبعض الوقت في مواقع غير عربية بأفريقيا وآسيا: «المجتمع العربي ليس واحدا متماثلا، ولا أنتم أيضا مجتمع مسلم موحد القيم والتصرفات. مثالياتكم العربية وشعاراتكم الإسلامية تعبيرات شفاهية تختلف جدا عن واقع تصرفاتكم وما تفعلونه في حياتكم يوميا».
لم يكن يتذاكى ولا يتفلسف ولا يحاول تشكيكي في هويتي لأتقمص مبادئ غربية، أو ليتبرأ كغربي من تبعات تهمة متداولة بيننا أن «الغرب وراء تفريقنا»، بل كان كلامه ردا على مداخلة مقارنة في حوار حول حدث اقتصادي: إن الاتحاد الأوروبي نفذ سريعا أهدافه، بينما تلكأت، إن لم تكن خابت، محاولات المنطقة للوحدة العربية، أو الإسلامية، أو حتى التعاون الخليجي.
وتساؤلي كان بدئا لنفسي: إن كانت المصالح الاقتصادية المشتركة هي السبب في نجاحهم رغم اختلاف اللغات والأصول والمذاهب، وذاكرة طويلة من الصراعات والحروب الإقليمية والعالمية، فلمَ لم يدعم مشتركُنا اللغوي والديني وتاريخنا في أمة ممتدة - عربيا وإسلاميا - حاجتَنا الواضحة والملحة للتكامل الاقتصادي وتنسيق تعاملنا الاجتماعي أو السياسي؟ صحيح أن بعضنا أغنى من بعض، وأن بعضنا استهلكت موارد نموه الداخلي، وبعضنا مستجد في ساحة بناء الذات، ولكن السؤال الذي طرق من قبل وتعددت إجاباته ولم ينجح أحد هو: أي مشترك نعود إليه لنضمن الإخلاص في الانتماء والأداء ونحصل على النماء معا؟ هل هو المشترك الديني؟ أو القومي؟ أو الإقليمي؟ لاشك أننا ندرك منطقيا مشتركاتنا المسجلة رسميا مثل لغتنا الفصحى وتعاليم ديننا وجذورنا العاربة والمستعربة وأصولنا القبلية وشجرة العائلة التي يعود بها بعض سكان الأطراف البعيدة من العالم العربي وغير العربي إلى أرض الجزيرة؛ ولكننا عاطفيا لا نعترف بتفاوت مشاعر بعضنا نحو بعضنا الآخر من حيث الشعور اللا منطقي بالإقصاء أو الحكم بالدونية وبأن «هؤلاء» منحوا بصدفة جغرافية نعمة مادية لا يستحقونها «لتخلفهم حضاريا»..
وأن «أولئك» تلوث نقاء دمهم أو صدق انتمائهم بمجاورتهم للأعاجم والغربيين والكفار! ننسى أن التفاضل يهدد التكامل، وأن الشعور بالتميز الفئوي والتمييز يقود إلى الفرقة والتشقق والضعف.
بل إن الشعور بوجود انشقاقات وتصدعات حتى داخل الكيان السياسي الواحد بدأ يتصاعد إلى نزعات إقصائية ونزاعات تنذر بالشر، كما نرى في الخطاب المذهبي الرافض للتعددية التي عرفها السلف الأفقه، أو في التصعيد الطائفي والتنافر بين الأديان السماوية التي تعايشت منذ آلاف السنين.
و لذلك فالحمد لله على الدعوة للترابط.
ليس مستبعدا أو مستغربا أن مصالح الآخرين قد تدفعهم إلى محاولة دق أوتاد توسع التصدعات والشقوق الداخلية بيننا، سواء بين الأقطار العربية أو في القطر العربي الواحد أو حتى بيننا وبين الجيرة الإسلامية. وممارسة إثارة مسببات الشحناء والتفرقة تصب في مصلحة الهيمنة الفئوية والخارجية.
ولكن مسؤولية التصدي بوعي لهذه المحاولات المباشرة وغير المباشرة تقع علينا وأنجع طريقة هي بناء تلاحمنا اقتصاديا بحيث نقوى معنا بدلا من استنزاف قوانا المادية في التحسب لاحتمالات غدر قادم.
هو زمن تنافسية القوة الاقتصادية وبنائها ذاتيا كما تفعل الصين والهند واليابان. والعمل كفريق أسرع وأضمن للنجاح من العمل منفردين بلا تنسيق إن لم يكن كأطراف جسد تتصارع ما بينها.
و لأنه زمن القوة الاقتصادية قبل القوة العسكرية من المنطقي أن يشجعوا كل تبرعم للفرقة وتركيز انتباهنا على تحركات البعض مستثيرين الريبة لا الثقة. لن يذكرونا أن التعددية مع التكامل مصدر قوة للبناء والنماء الاقتصادي. والنماء الاقتصادي المستدام هو الهدف والمسيرة وليس كلاما عارضا وخططا منفصلة. هي مسؤوليتنا إذن..
أعود إلى التفاؤل بأننا في عصر الحوار وتشجيع الانفتاح والحث على ترفع منابر الرأي عن نداءات التفرقة إلى الحث على التفاهم والتعايش والبناء للنماء.. معا.