مصر.. تلك التي نحبها ربما أكثر مما تحب هي نيلها الخالد أو يحبها هو! هذه ال(مصر) العظيمة، تاريخاً وشعباً ونضالاً، تعيش اليوم مخاضاً سياسياً واجتماعياً خطير المنعطفات، متعدّد الاتجاهات والتوجهات، وقلوبنا من أجل ذلك تبكي خوفاً على مصر من عوادي الزمن.. وخشية من عواقب ما هو كائن الآن وما يمكن أن يكون!
لقد بدأ (الزلزال) السياسي الكبير في مصر فجأة يوم هبط إنسانها العادي من زنزانة الصمت إلى الشارع بالآلاف.. يبثّ بأعلى صوته ما في صدره، وظنّ الناس يومئذ كما ظننت أنا بل وتمنيتُ، أنَّ ما حدث لا يعدو أن يكون تعبيراً عن حراك شعبي يمارس بأسلوب سلمي وحضاري معاً، هدفه الأول والأخير إيصال رسالة ما إلى من يُراد أن تبلغه، وأنه ترجمة نقية لما يجيش في خاطره من آلام وآمال، شأنه في ذلك شأن شعوب الدنيا، وكان العقلاء في كل مكان يتمنون أن يبقى ذلك الحراك سلمياً وسليماً، وأن يبقى السلوك المصاحب له عاقلاً وحضارياً وإنسانياً!
وفجأة.. وبلا سابق إنذار، تحولت (بعض) مواكب الغضب عن المسار السلمي في التظاهر، لتؤم الميادين والشوارع والحواري طوابير من الوحوش الكاسرة تريد أن تقصي منجزات الإنسان المصري ومكاسبه نهباً وتكسيراً وتدميراً.. فيما أخذت الجموع الأخرى التي لا علاقة لها بغوغائية العنف والعبث تلتمس (النجاة) والفرار من عصابات الليل والنهار التي اجتاح أفرادها الشوارع تحت غطاء الاحتجاج، انقلب (جزءٌ) من (موجة الغضب) إلى حمم من جحيم العبث بالإعمَار والأموال والأرزاق، بل وإزهاق الأرواح البريئة، وسمعنا فيما سمعنا صيحات صادرة من الحناجر الشابة وغير الشابة تستصرخ الناس كي يهرعوا لحمايتهم من عبث العابثين، ويساعدوهم في حماية أنفسهم وما يملكون من (مقدسات) شخصية باتت معرضة للنهب من قبل الشراذم الكاسرة الخارجة من جحور الفقر والجهل والظلام!!
وبعد ..،
فما من عاقل في الأرض يرضيه ما تشهده أرض الكنانة العزيزة من أصناف التدمير والعبث بمنجزات الإنسان المصري وبنيته الحضارية، وتشويه الحراك الإنساني الذي حاول من خلاله الآلاف إيصال النداء إلى من يهمه الأمر في البلاد، طلباً للتغيير نحو ما هو أصلح.
وفي الوقت الذي أوقن فيه بأن ما يحدث في مصر شأن داخلي (أو هكذا يجب أن يكون) داعين الله أن يجعل خاتمته خيراً ونماءً لهذا البلد العربي الغالي، إلا أنني من جانب آخر، وكمواطن عربي يراقب الحراك السياسي العاصف في أرض الكنانة بألم وقلق شديدين خوفاً على كيان مصر واستقرارها وأمن مستقبلها، أود أن أختم هذه المداخلة بكلمات موجهة إلى المواطن المصري الشقيق فأقول:
احتج يا أخي.. إن شِئْت أنَّى شِئْت، ولكن بأسلوب حضاري يكرس الحبَّ لمصر ويبني لغدِها ولا يدِّمر مكاسبَ أمسِها ولا يومِها!
عبِّر عما تكنُّه نفسك.. ولكن لا تدَعْ عملاء الدمار يخترقون صُفوفَك، فيفسدوا عليك روعة الحُلم بما تريد إنجازَه!
احذرْ أن تمارسَ الوصايةَ على صوتِك وإرادتِك ووحدة كلمتك أيادٍ خفية وأصوات ملفقة و(أجندتٌ) مشبوهة من داخل الحدود أو خارجها لا تشاطرك عاطفة الحب لمصر ولا الخوف على حاضرِها ومستقبلها، بل تحملُ في يدٍ وسائلَ النهب والتدمير، وفي الأخرى (أسلحةَ) الفتك لمن يعترض سبيلها من الأبرياء!
واللهُ أسألُ أن يكشفَ غُمةَ العزيزة مصر، وأن يُزيحَ عن كاهلها وِزْرَ الأذى، ما ظهَر منه وما بطَن، وأن يُلهِم أهلَها وساستَها وقادةَ الحلّ والعقد فيها سُبلَ الهدى والصواب.