عندما نقارن اتخاذ الإجراءات في مجتمع من المجتمعات يمكن أن نصنفها إلى نوعين رئيسيين: مبادرات وردود أفعال؛ والفرق بينهما شاسع.. نلاحظ أن المبادرات تكون على التراخي، بمعنى أنها تأتي ويخطط لها ويستغرق اتخاذها وقتاً طويلاً؛ وقد يقول قائل إن هذا النوع من الإجراء يكون عبارة عن رد فعل لشيء سابق له، لنؤجل ذلك التفكير قليلاً، حتى لا نضع أنفسنا في حلقة مفرغة. ولنا أن نؤكد أن المبادرات، «الحسنة طبعاً»، لها مزايا عديدة: إذ تنم عن اهتمام واكتراث بالأمور وبحاجات المجتمع ومتطلباته المتعددة، كما تدل على أن ثمة أناساً يفكرون ويهمهم أمور مجتمعهم، أضف إلى ذلك أن ردود الأفعال تجاه المبادرات تكون حسنة ويكون اتخاذ القرار فيه شيئاً من التروي ويبنى على مفاهيم وعلى دراسات متعمقة، أو يفترض ذلك بالتأكيد.
والمبادرات أشبه ما تكون بالابتكارات، التي قد لا تخطر على بال، وتتم عن تتبع لاحتياجات المجتمع ومشكلاته ومعضلاته. وهذه المبادرات، التي تتخذ الطابع الروتيني، البيروقراطي، تحتاج إلى إستراتيجية خاصة في إدارة الأمور. والملاحظ أنه تكاد تنحصر معظم أعمال من في المؤسسات العامة في أمور روتينية وإجراءات بيروقراطية مبنية على ردود أفعال. والقليل جداً من العاملين في المؤسسات من يكون عملهم منصباً على اتخاذ مبادرات تطويرية أو تحسينية أو مبتكرة. وعادة ما تكون المبادرات لعلاج معضلات قائمة لخدمات معينة أو ما يتعلق بإجراءات تقديمها، وقد تكون طرحاً مبتكراً لقضية من القضايا.
ولو استعرضنا معظم أعمال المؤسسات العامة لوجدناها روتينية محضة بعيدة عن التصدي للمشكلات على الرغم من تراكمها. وعندما تتأزم الأمور وتصل إلى طريق مسدود نلاحظ أن المؤسسة لا تبادر بحل جديد بل تستمر في مزاولة روتينها وبيروقراطيتها وحلولها العقيمة. وفي نهاية المطاف نجد أن الأزمة تتفجر وكأنها بالونة تفرقعت من شدة ضغط الهواء الذي تحتويه وبسبب ضعفها وعدم تحملها للضغط. وبعد أن يحدث ذلك تبدأ ردود الأفعال المستعجلة والمرتبكة لحل الأزمة، وعندها قد يكون الوقت متأخراً لذلك.
وما يحصل لشعوب العالم في شرقه وغربه، مثلما حصل في دول عربية في أيامنا هذه، في تونس ومن ثم في مصر، ما هو إلا نتاج قرارات لردود أفعال، لقد شاهد العالم أجمع ما جرى في شوارع القاهرة وغيرها من المدن والقرى المصرية. وكردة فعل لذلك لبى متخذو القرارات، وفي غضون ساعات، ما كان يطالب به الناس منذ سنوات. لم يكن لمطالب الناس من استجابة، أليس كذلك؟ بل وأدهى من هذا، لم يكن يكترث بها، وأخيراً ألم يسارعوا في تلبية ما كان يطالب به؟..
تلكم المطالب التي لم يستجاب لها، والتي كان يستهان بها. لم يكونوا حينذاك يسمعون لما يطلب، بل كانوا يسفهون آراء الغير ويستمعون لنصائح أعدائهم «الباطنيين»، الذين بين ظهرانيهم.
ألم يكن الوضع بالنسبة لهم أفضل بكثير لو لبيت مطالب الناس بمبادرات إيجابية بناءة؟.. ألن يحبهم الناس لو أنهم فعلوا ذلك؟.. نعم وألف نعم، سوف يحبونهم ويضعونهم في سويداء قلوبهم. أما الآن وعندما لبيت بعض من مطالبهم، فماذا قالوا؟: الوقت متأخر جداً ونريد غيركم، لا نريدكم، لقد وصلنا إلى مرحلة اليأس معكم. أليس بإمكان أولئك القائمين على سدة المسؤولية أن يعملوا لصالح الناس، لصالح المجتمع بأسره، أفراداً وجماعات، ذكوراً وإناثاً؟.. فلعل المسؤولين في المؤسسة الصغيرة والكبيرة بل ضمن الأسرة الواحدة أن يعوا الدروس ويعملوا على خدمة من يرعون ومن في رقابهم وفي ذممهم شئون الغير وحقوق الغير ومطالب الغير ومصائر الغير، وخير الناس من اتعظ بغيره.