|
تحليل - د. حسن أمين الشقطي :
في السياق المتسارع للأحداث المصرية، تم الإعلان عن تعليق ضخ إمدادات الغاز المصري إلى إسرائيل والأردن وسوريا بعد الانفجار الضخم في أحد فروع خط الأنابيب الذي ينقله ويمر عبر شمالي شبه جزيرة سيناء.. ويعتبر هذا ربما أول حدث يثير مخاوف من أن يترك تأثيرات ملموسة على المستوى العالمي للغاز الطبيعي.. فكيف سيكون هذا التأثير؟ وهل هذا التأثير مرتبط بالثقل المصري في إنتاج وتصدير الغاز أم ينبع من جوانب أخرى؟
السوق العالمي للغاز الطبيعي
لقد زاد الاعتماد على الغاز الطبيعي خلال السنوات الأخيرة كثيرا كمصدر للطاقة، وارتبطت هذه الزيادة بشكل رئيسي بالدول المتقدمة، حيث يوضح الشكل (1) أن مشاركة الغاز في مصادر الطاقة على المستوى العالمي وصل في عام 2008م إلى حوالي 21.1%، في حين أن هذه المشاركة تصل إلى حوالي 24.2% في دول منظمة OCED (التي تضم الدول المتقدمة تقريبا). وتشارك منطقة الشرق الأوسط بإنتاج ما يناهز 13.4% من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي، ويتركز هذا الإنتاج في خمس دول عربية تقريبا، هي قطر والسعودية والجزائر ومصر والإمارات.
المساهمة المصرية في إنتاج
واحتياطيات الغاز الطبيعي
يوضح الجدول (1) أن مصر تعتبر رابع أكبر دولة عربية تمتلك احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي، كما أنها تأتي في المرتبة الثالثة كأكبر دولة عربية مصدرة.. وعلى الرغم من أن حجم الاحتياطي المصري من الغاز الطبيعي يقل كثيرا عن دول عربية أخرى، فإن مصر تعتبر سوقا واعدا للغاز نظرا لارتفاع عدد الاكتشافات السنوية للغاز من عام لآخر.. كما أنه رغم الفوارق الكبيرة في احتياطيات الغاز بين الدول الأربع، إلا أن أحجام الغاز المسوق تقترب نسبيا من بعضها البعض.. وتنال مصر أهمية في تصدير الغاز الطبيعي بالأنابيب لدول الأردن وسوريا وإسرائيل نظرا لاقتراب حدودها الجغرافية.. وسيؤثر هذا الانفجار الأخير على تدفقات الغاز للدول الثلاث.
التطورات في مستويات الأسعار العالمية للغاز الطبيعي
لا يزال تفاعل واستجابة النفط الخام لأي حدث اقتصادي أو سياسي هو الأعلى، ويفوق كثيرا تفاعل واستجابة الغاز الطبيعي، ولا يزال راسخا في الذهن العالمي أن الاحتياج العالمي للنفط الخام يفوق الاحتياج لأي منتج طاقة آخر مهما كانت أهميته.. وتفاعلا مع الأزمة المالية العالمية في 2008م، ارتفع سعر خام برنت من مستويات الـ60 دولارا حتى لامس 148 دولارا للبرميل خلال فترة قصيرة، وهو يصل الآن إلى مستوى 100 دولار للبرميل.. في المقابل، فإن الغاز الطبيعي سلك مسلكا أكثر تباطؤا خلال نفس الفترات، حيث ارتفع خلال فترة الأزمة المالية العالمية إلى مستوى في حدود 12 دولار/ مليون وحدة حرارية، ويصل سعره الآن إلى حوالي 4.3 دولار لكل وحدة حرارية.. إلا أنه بدءا من سبتمبر من العام الماضي، بدأت أسعار النفط تتخذ مسارا صعوديا بقوة، في المقابل، فإن أسعار الغاز الطبيعي أخذت مسارا هبوطيا.. كما أن أسعار النفط سجلت استجابة قوية لكافة الأحداث السياسية خلال الستة شهور الأخيرة، في حين أن أسعار الغاز لم تتخذ نفس المسار.
مخاوف الغاز.. والمرور بقناة السويس
من الملاحظ أن الصادرات المصرية من الغاز سواء بالأنابيب أو الناقلات لا تمثل قيمة هامة أو قيمة تثير مخاوف حقيقية من انقطاع مثل هذه الإمدادات، ولكن المخاوف الحقيقية تثار من قبل المعبر المروري لصادرات الغاز، وهو قناة السويس.. فنحو 20 مليار متر مكعب من صادرات الغاز الطبيعي يتم نقلها عن طريق قناة السويس، ومعظمها هي صادرات لقطر.. ولكن مع التوسع السريع في طاقات تسييل الغاز بقطر منذ نهاية عام 2009م بما يمثل 50% من الصادرات القطرية، فقد تقلص المرور بقناة السويس نسبيا في عام 2010م.. في المقابل، فإن خط أنابيب سوميد الذي يربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط والذي يمر بقناة السويس يمثل أهمية أكثر إستراتيجية في حالة النفط الخام، حيث إنه ينقل ما يناهز 2.4 مليون برميل يوميا من بترول الخليج في أقصر طريق متاح إلى الدول الأوربية وأمريكا.. أي أن مخاطر انحسار إمدادات الغاز في ضوء الأحداث المصرية تنحصر تقريبا في احتمالات انقطاع كافة الإمدادات المصرية والتي تصل إلى حوالي 18.3 مليار متر مكعب (تحت افتراض أسوأ سيناريو)، مضافا إليها ما يعادل 50% من الصادرات القطرية (التي تصل إلى حوالي 34.1 مليار متر مكعب، وربما أقل في ضوء ازدياد طاقات التسييل من وقت لآخر بقطر).. لكل ذلك، لا يتوقع أن يكون لهذه الاضطرابات تداعيات كبيرة على أسعار الغاز، بل لا يزال النفط الخام الأكثر تأثرا بأي تداعيات بمصر نتيجة مخاوف توقف العبور بقناة السويس أو حدوث أي تأثيرات على خط سوميد.
****
(*) كافة الأشكال مأخوذة عن التقرير الإحصائي السنوي لمنظمة الأوبك لعام 2010م
Key World Energy Statistics from the IEA
(*) محلل اقتصادي
Dr.hasanamin@yahoo.com