كنت أفضل الصمت والتظاهر بالفهم أمام الاسم الجامع للأضداد، لكنني قررت أخيراً الاعتراف بعدم الفهم. كيف يجتمع الإعلام والثقافة؟. هذا مستحيل منطقياً إلا أن يجتمع سهيل والثريا، وهما عمرك الله لا يجتمعان. الثقافة والإعلام حسب فهمي المتواضع يشبهان الستارة والشباك. الشباك تفتحه وتصوت بما تريد أن تقوله ولما تريد أن تسمعه، وتغلقه إذا كنت تريد عدم التواصل مع الخارج. الستارة تزيحها قليلاً متى رغبت في بعض الشمس والنور، وتسحبها على الآخر إذا كنت تفضل الظل والظلام أو أن تغط في النوم العميق.
لا بأس في القبول الوظيفي للستارة والشباك بهذا المعنى، لكن في البيت الخاص حيث يكون الهدف الأول هو الستر، والتهوية تأتي ثانياً. أما في الوزارة فهذه مسألة فيها قولان على الأقل. في شؤون الإعلام يكون الهم الأول تصحيح المفاهيم الإعلامية المغلوطة وتقديم صورة البلد بطريقة إعلامية جميلة. في شؤون الثقافة يكون الهم الأول هو الانفتاح والتنوير والاقتباس والعطاء من الحضارات الأخرى وإليها. إن كان المعنى هكذا صحيحاً فالإعلام والثقافة لا يجتمعان في مسؤولية واحدة وتحت إدارة واحدة.
على أي حال.. في الأعوام القليلة الأخيرة أصبحت الفتحة بين الستارة والشباك أكبر بعض الشيء، يعني شيئاً ما، أي لابأس. المثقفون وأصحاب الرأي أصبحوا يتنفسون ويتشمسون من خلال هذه الفتحة،حتى أولئك الذين كانوا يفضلون البقاء خلف الحجب صاروا هم أيضاً يصرخون بأصوات عالية من خلالها. تصل الأمور أحياناً من خلال الفتحة المتاحة إلى حد التنابز بالألقاب والتحريض المتبادل. هناك غباء حضاري مزدوج في هذا الموقف لأن الطرفين المتنازعين على الفتح والإغلاق وكذلك من بيده حبل الستارة يقفون كلهم جميعاً خلف نفس الشباك ويتقاسمون نفس المكان والشمس مفيدة للجميع.
هنا ينتهي الكلام في عدم فهم المزاوجة بين الإعلام والثقافة في وزارة واحدة، إلا إن كان الهدف يتماثل مع أدوار الشباك والستارة في المنزل، أي التهوية والاستنارة من حين لآخرحسب الطلب. سوف أترك الشق الإعلامي في الوزارة الموقرة لمن يفهم فيه، لأنني لا ضالع ولا ضليع في الإعلام. لكنني سوف أحاول الاستفادة من فتحة التهوية الثقافية المتاحة بين الستارة والشباك. هذه لي عليها بعض المآخذ، أو لأقل لكيلا أتعرض للتقريع على استعمال هذا الكلمة الكبيرة أن لي عليها بعض الملاحظات. الملاحظة الأولى موجهة إلى الوزارة الأم على سوء حال بناتها وأعني القنوات الفضائية السعودية. وبالذات أصغرهن سناً، تلك المسماة بالقناة الثقافية.
القناة الأولى والثانية دخلتا سن الشيخوخة، ورغم محاولات شد الجلد والتقشير والصنفرة لم تبديا نظارة تنافسان بها القنوات العربية العالمية، ليس بعد، بل ولا يمكن وطواقمها ووجوهها على هذا المستوى من الرتابة والمحلية.
القناة الإخبارية بدأت واعدة ومتحركة، محلياً على الأقل تركض من ميدان لآخر وتنقل بأمانة الصوت والصورة، ثم ما لبثت أن أصابها داء الخصوصية السعودية والخوف من الاقتحام الفضائي. ربما كان ذلك أيضاً لضعف طواقمها وقصورهم عن إدراك المستوى الإعلامي العالمي.
أما الفتاة الصغرى الثقافية فلم يظهر لها بعد من اسمها نصيب مقنع، حتى ولو تقمصت رداء الثقافة وتوخت الانتماء للفضاء الثقافي العالمي المفتوح. إنها مملة ورتيبة ووجوهها تكرر نفسها في حوارات ثقيلة الدم أكثرها مجاملات ونفاق.
بالمناسبة، ذلك الوجه النسائي الذي يقفز من مكان إلى مكان ومن محفل إلى محفل ومن منتدى إلى آخر.. ألم يحن تخفيف حضوره اللافت إلى النصف على الأقل؟