يعتبر القنص إحدى الرياضات العربية الأصيلة.. وهنا الكثير من هواة هذه الرياضة الأصيلة.. وحيث إنني حاليا في (مقناص) وبعيدا جدا عن كرة القدم وصخبها.. فأعود لرحلة (قنص) سابقة للقارة الإفريقية.. كان ذلك قبل عدة أشهر.. وقد ترددت عندما علمت أن الأخ (نشبة) الذي كنت قد كتبت عنه مقالاسيكون معنا في الرحلة.
أقلعت الطائرة من جدة بعد أن تجمعنا خمسة من الرياض وواحد من الطائف.. وثلاثة من جدة أحدهم (النشبة).. وكان سير الرحلة ينتهي في عاصمة بلد إفريقي.. ومن ثم نأخذ الإذن الرسمي وأسلحة القنص وسيارات خاصة سبق إرسالها.
في اليوم التالي للرحلة قال لي النشبة: يا أخي ما لنا ومال القنص.. الخروف هنا بخمسين ريالا مع الذبح والسلخ.. ونذهب ونتوغل في إفريقيا ونعرض أنفسنا للتهلكة.. من أجل أرنب ولا حتى بعير.. ما لنا ومال هذه الضجة.. وأيضا لا تنسى باني أريد متابعة بالتوك النادي.. ومنتديات النادي.. وقراءة الأقسام الرياضية في الصحف وما كتبته عن النادي.. والنت هنا في العاصمة ب(العافية).. أجل في أدغال إفريقيا كيف سيكون ؟.
قلت: أجل لماذا أتيت ؟!!
قال: أتيت أغير جو.. أما قنص ومطامرة.. بصراحة ما (أطيقها).. وأردف قائلا: كيف الغداء اليوم.. قلت: ممتاز.. قال: كل الخروف اللذيذ هذا.. بخمسين ريالا.. والذي ذبحه وسلخه في ثلاث دقائق.. أخذ الجلد وهو(مبسوط).. فليه كل هذا العذاب من أجل غزال مسكين أوأرنب مرعوب ولا حباري وعصافير؟.. وأردف قائلا: يا شيخ حكم عقلك.
في هذه الأثناء دخل علينا أصدقاؤنا يعلو وجوههم البشر وقال كبيرهم: غدا إن شاء الله رايحين المقناص.. والليلة معزومون لدى عمدة المدينة للعشاء ولتقديم عروضهم التراثية.
ذهبنا في الثامنة مساءً إلى حفلة العمدة.. وكان قد وضع خيمة كبيرة على الطراز التراثي لبلادهم.. وكانت كل الأواني من الفخار والحجر.. وملابس العاملين تذكرنا بغابر التاريخ العميق لتلك الدولة.
كان النشبة يدخل في جدل كروي مع كل من يجلس بجانبه.. بل زادت عنده الحالة وأصبح يشرّع قوانين للاحتراف والمحترفين.. بينما المستمعون وفيهم من ليس له بكرة القدم أي علاقة.. عدا عن أن النشبة يبدأ يشرح عن ناديه.. ويصفه بأوصاف وهمية.. مثل أنه الأكثر بطولات في آسيا والعالم العربي.. والأكثر جماهيرية.. ويصف ألوان وشعار ناديه والآخرون غير مهتمين.. حتى وجد بين الحضور صحفي رياضي سوداني ونائب رئيس احد الأندية السودانية الجماهيرية.. فأخذ النشبة يشرح لهم الروابط التي تربط ناديه العريق بهذا النادي السوداني العريق.. وينظر ويشرع ويفتي.. وانتهي الحفل ولم ينته من الحديث مع الصحفي ومع نائب الرئيس الذي وضح عليهم الإعياء والتعب من كلام (خوينا) عن ناديه.
في صباح اليوم الثاني كانت السيارات الثلاث تنهب الأرض.. اثنتان للقنص.. والثالثة للحراسة.. قال النشبة: يا جماعة أنتم طايرون بالسيارات من أجل ماذا ؟.. دعونا نرتح قليلا.. ونشوف النت يعمل هنا أولايعمل.. وأردف قائلا:حتى من (وصال الحبيب) - يقصد ناديه - محرومين.. من أجل مقناصكم ؟.. النت لا يعمل في السيارة إنما خارجها ربما يعمل.
قال آخر: هداك الله.. أفتك من دوخة (الكورة) ولوأسبوع واحد.
فرد: يعني ما نرجع إلا بعد أسبوع.. فوشوشته في أذنه قائلا: هذا إذا عدنا ؟! قال: صدقت.. من أولتها باينه إنها رحلة ابن بطوطة- رحمه الله-.. وبعد أسبوع تجد صورنا في الجرائد وقبل كل اسم كلمة المرحوم.. يا (عمي طير) !!.
قلت: اذكر الله يا رجل.
وصلنا مع غروب الشمس إلى منطقة فيها بيوت متهالكة.. وأناس يعيشون فيها ليس تحت خط الفقر.. بل تحت كل خطوط الفقر والجهل والمرض والعوز.. ومع ذلك لديهم منزل للإيجار قد تعبوا في فرشه بحصيرة من سعف وبعض أواني الطبخ البدائية.
تمدد النشبة على إحداها.. وأخذ نفسا عميقا ثم قال: هذا حدي.. تريدون مواصلة (مقناصكم) بسلامتكم.. أما أنا سأقضي الليلة هنا.. وأعود في الغد إلى العاصمة.. قالوا له: قد لا تجد سيارة تعود بك إلى العاصمة.. قال: لست متحركا من هنا إلا إلى العاصمة حتى لوركبت ظهر دابة.. أوأقطع المسافة (كعابي) يقصد يسير على قدميه.. وطلب من الزملاء أحد الهواتف التي تعمل على الأقمار الصناعية.. وعندما اعتذروا.. قال: وكيف أتصل على النادي و(الشلة) للحصول على آخر أخبار النادي !!
بقي النشبة في تلك القرية وواصلنا السير حتى حدود دولة أخرى.. وقضينا سبع ليال حالمة وجميلة.. فأجمل ما في القنص هوأثناء مطاردة الفريسة ثم اصطيادها.. ومن بعد شوائها.. فلها مذاق خاص لا يمكن أن تجده في أي رياضة أخرى.. بينما الأجمل هي ابتعادك الكلي لكل ما يمت للعالم بصلة.
في طريق العودة مررنا على القرية التي فيها النشبة.. وأخبرونا أنه وجد سيارة أعادته للعاصمة.. ثم لبثنا عدة أيام في العاصمة ومن ثم حانت العودة إلى المملكة.
بعد أسبوع من وصولنا.. هاتفني صديق يعمل مع النشبة في نفس الدائرة الحكومية التي يعمل بها النشبة وقال: أبوفلان يقصد (النشبة) كل يوم يحدثنا عن رحلة القنص في إفريقيا.. ويحدثنا عن مغامراته ويزعم أنه كان البواردي الأول بين أفراد الرحلة.
قلت: صدّقه.. ما كان يخطئ رمي الطريدة !.. ولكن اسأله عن قصص (مغامراته) مع الحيوانات المفترسة التي كانت ترهبه.. وكيف كان يجندلها الواحدة تلوالأخرى.. فلله في خلقه شؤون.