المتابع لتداعيات الأحداث المريرة للشقيقة جمهورية مصر الحبيبة، وما صاحبها من إجلاء رعايا الدول منها يسمع ما يندى له الجبين من تعامل موظفي السفارة السعودية الذي لا يرقى للتطلعات والثقة التي منحها خادم الحرمين الشريفين لهم، وتوصيته الدائمة للسفراء بالاهتمام بجميع الموطنين وخدمتهم بنفس درجة الأهمية.
فسفارة أي بلد تعني للمواطن المغترب أو المسافر بيته وملجأه ومأواه.. حين يعز المأوى وتصعب الحياة ويتردى الأمن، وتعم الفوضى.. وتكمن أهمية وجودها بهذه الظروف، أما حين يسود الأمن وتتوفر الحياة الكريمة للمرء.. فهو ليس بحاجة لها.
وما عاشه السعوديون من حالة رعب وخوف استمرت لعدة أيام إبان اندلاع المظاهرات يوم الجمعة الشهير، وغليان الشارع المصري، ونفاد الأكل والشرب في ظل إغلاق المصارف وصعوبة التسوق ومخاطر السير في الشارع، وما رافقها من انقطاع وسائل الاتصال والإنترنت وضعف التنسيق بينهم وبين السفارة السعودية في القاهرة، وما حصل من تجاهل السفارة للناس إبان ترحيل أبنائنا وآبائنا وشيوخنا هناك أساء لسمعة السفارة السعودية في مصر بالدرجة الأولى، كما تسبب في حالة من الاحتقان للمواطنين المسافرين والتبرم والخوف سواء من الشباب الطلاب أو العوائل ممن لديهم أطفال أو مرضى، إذا علمنا أن السفارة الماليزية أجلت رعاياها البالغ عددهم 9000 خلال 24 ساعة.. بينما تطلَّب الأمر من سفارتنا الكريمة أسبوعاً لنقل 5000 مواطن، وهذا مرده العجز أو التواني، ولم تراعِ السفارة الحالة النفسية السيئة لدى الناس وتأمين معيشتهم واستقرارهم، والعمل على سرعة إنهاء إجراءات سفرهم وتسهيل رحلة عودتهم الكريمة لبلادهم.. ولكنها تعاملت معهم كالقطيع بما أثار حفيظتهم وجرح مواطنتهم، حينما اضطروا لاتخاذ الأرصفة مأوى لهم، وعانوا السهر والإرهاق! برغم تفهمنا للحالة الأمنية التي تشهدها مصر.. وما حل بها من فوضى وأجواء عدم استقرار وضغوط على الموظفين، إلا أن ذلك لا يعفي العاملين في السفارة من تجاهلهم الرد على الهواتف المعلنة، وعلى الانتظام في العمل، والتواجد طيلة الوقت لطمأنة المواطنين هناك وتخفيف مشاعر الهلع وانعدام مجال الرؤية المستقبلية.
والواقع أن ما حدث يستوجب إعادة النظر بتأهيل موظفي السفارات عموماً لمقابلة النوازل والكوارث والطوارئ بصورة لائقة، وبطريقة دبلوماسية وترسيخ فكرة حفظ حقوق المواطنين، وما يندرج تحتها من احترام الوظيفة التي يشغلها الموظف باعتبار أنه لا يُمثِّل نفسه.. وإنما يُمثِّل بلده، ويدرك ويتعلَّم ما يُسمى دبلوماسياً (شرف خدمة المواطن).. وهي في الواقع شرف وواجب حين يكون مغترباً بعيداً عن وطنه وأهله وبحاجة للمساعدة بدلاً من الإهمال، ولا يُعفى أي مقصر مهما كانت المبررات، إذا علمنا أن دولتنا الكريمة وفرت كل الإمكانيات المطلوبة لسلامة مواطنيها المسافرين واحتياجات رعاياها المغتربين.
ولأن السفارة السعودية في القاهرة قد أمسكت بها سنارة الانتقاد.. فقد فشلت بالإفلات منها.. ورسبت في الاختبار، حيث أتى العتب من أكثر من مصدر، وجاءت الشواهد والأدلة بالصوت والصورة، مما أخجلنا نحن السعوديين.. وأوقع بلادنا في حرج!! وأرجو أن لا يقلل من هيبتنا أمام شعوب العالم.
وهي رسالة لسفارات بلادنا الأخرى.. مفادها ضرورة إدراك أن المواطن أصبح يشكو وينتقد، ويرفع صوته، وحتماً سيجد من يرد له اعتباره، ويحسن بأي سفارة أن تتقي السنارة والكاميرات، لأنه ليس كل مرة تترقَّع!!