لم تكن حلقة برنامج (اللقاء الخاص) - التي بثتها على الهواء مباشرة القناة السعودية الأولى مساء يوم السبت الماضي - حلقة عادية، فالضيف الذي يمثل (السلطة السياسية) صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وهو من هو في ميزان الحكماء وفرسان الكلمة وربان البيان وأهل الخبرة ورجال الميدان، وفي المقابل يمثل (الثقافية) في هذا اللقاء الاستثنائي عدد من الكتاب المبرزين الذين عرفوا بأقلامهم الناقدة وأفكارهم النيرة ومتابعاتهم الدائمة وحديثهم الذي لا ينقطع عن هموم المواطن وأوجاعه الآنية والمستقبلية، والحوار بين السلطتين كان في الأساس يتمحور حول (كارثة جدة) ولكنه تجاوز هذا الحدث وآثاره وانعكاساته على التنمية المستدامة في هذا الجزء من الوطن إلى عدة قضايا مفصلية ومؤشرات تنموية تستحق إعادة الوقوف عندها، والحديث عنها بتوسع واستفاضة، خاصة أنها ذات مساس بالواقع المعاش في كثير من مناطق المملكة، منها على سبيل المثال:
مقت (البيروقراطية الإدارية) المعمول بها حتى هذا التاريخ في بلادنا المملكة العربية السعودية، والتي هي في نظر السلطة الثقافية بل وحتى لدى بعض رموز السلطة السياسية في بلادنا من أشد المعوقات وأكثر العقبات التي تعيق الفعل التنموي المطلوب في المناطق المختلفة.
غياب (الشفافية والمصداقية) التي هي مطلب ملح في كل وقت وفي هذا الوقت بالذات، خاصة بين المواطنين ومديري الدوائر الحكومية الذين يمثلون الدولة عموماً ووزاراتهم على وجه الخصوص، وعلى عواتقهم مسؤولية الوفاء بمتطلبات المواطن والعمل على تحقيق المصلحة العامة كل فيما يخصه وفي دائرة اهتماماته وحسب مسؤولياته ومهامه الوظيفية.
المطالبة ب(تعزيز وجود مؤسسات المجتمع المدني) بالشكل الذي يضمن لها الشرعية القانونية والنظامية، والتنظيم المؤسسي الدائم، والفاعلية الإيجابية المرتجاة حين الأزمات وعندما تحل الكوارث لا سمح الله، فضلاً عن دورها المطلوب في كل الأحوال وبكل الأزمان.
المطالبة ب(تفعيل ودعم ونشر فكرة مراكز الأحياء التطوعية) والتي ولدت على يد صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله في المدينة المنورة ثم انتقلت إلى حائل على يد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ومنها انتشرت في عديد من مناطق المملكة، إضافة إلى تأسيس أندية شبابية في المناطق السكنية بشكل منظم ومنضبط، وهو ما أكد عليه وباركه ودعا له مقام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
المطالبة ب(وجوب وجود خطة واضحة للتعامل مع الأزمات) بشكل علمي مدروس ومبرمج وهو ما نفتقده حتى الآن في جميع قطاعاتنا الخدمية.
المطالبة ب(جعل إمارات المناطق شريكا حقيقيا في البناء التنموي) في إطار مسؤوليتها المباشرة عن هذا الجزء من الوطن أو ذاك، ولعل تجربة إمارة مكة المكرمة في وجود «وكيل الإمارة المساعد للتنمية» ضمن هيكلها المعمول به الآن نموذجاً يمكن القياس عليه بعد دراسة التجربة وتقويمها من قبل المسؤولين عن التنظيم الإداري في إمارات المناطق المختلفة ومن ثم التعميم بمواصفات ومهام محددة وذات بعد عملي واضح.
المطالبة بـ(التواصل والتنسيق بين القطاعات الخدمية المختلفة في المنطقة) إذ إن هناك غيابا واضحا في التنسيق والتنفيذ المشترك، وربما أفسدت هذه المؤسسة الحكومية ما عملت الأخرى على إصلاحه قبل أيام معدودة، وفاتورة الدولة جراء عمل كل قطاع بمفرده دون الاكتراث بما لدى القطاعات الأخرى فاتورة مرهقة وموجعة وعنوان صارخ للهدر والإفساد.
المطالبة ب(مد جسور الثقة المتبادلة بين المواطن والمسؤول)، فالمواطن اليوم غالباً لا يثق بالوعود ولا يطمئن للإجراءات المتبعة في كثير من القطاعات الحكومية الخدمية.
المطالبة ب(الانفتاح المقنن وبشكل أكبر على وسائل الإعلام والتواصل الجديدة) كالإنترنت مثلاً وعدم التركيز على التعامل مع الإعلام التقليدي المعروف دون غيره.
المطالبة ب(تحديد مكان المرأة الحقيقي وبشكل دقيق في خارطة العطاء الوطني سواء الرسمي أو التطوعي) ودعمها وتشجيعها للتفاعل مع قضايا الوطن المختلفة حسب طبيعتها وبناء على تكوينها النفسي والجسدي فهي تفاخر بالانتماء لهذه البلاد مثلها مثل الرجل تماماً، ودائماً تشعر بالرغبة الصادقة للبذل والمشاركة حباً ووفاء لهذا الوطن المعطاء ولكنها قد تصطدم بأعراف وعادات ليست من الدين بشيء.
المطالبة بوجوب إعادة النظر ب(نظام ترسية المناقصات الحكومية)، وإعادة النظر في قبول إعطاء المشاريع من الباطن، وغياب المسؤولية المباشرة لمن تمت ترسية المشروع عليه، ونقد عجز قطاعات الدولة المعنية عن المراقبة والمتابعة بالشكل الذي يضمن المحافظة على الجودة المطلوبة والإنجاز المتقن وحسب جدول زمني محدد.
المطالبة بما يسمى ب(الإدارة المحلية في المناطق) ولي مع هذه النقطة بالذات حديث مستفيض في المقال القادم بإذن الله وإلى لقاء والسلام.