قلت في المقالة السابقة أن الضابط الكويتي قال لي: سأعرفك على أعجوبة الرجال، إنه بطل مصري عظيم هو (الدُفعة) -عايد- فهذا الجندي المصري الباسل كان يرابط في موقعه.
هذا قبل هزيمة حزيران، وحينما صدرت الأوامر بالانسحاب من المواقع السابقة رفض عايد أن يُخلي مدفعه المضاد للطيران الذي سماه على اسمه (عايد) أيضًا - أي المدفع (!!) والذي كان يجيد إسقاط الطائرة العدوة التي تشن غاراتها على الجبهة المصرية من خلال تصويبه الدقيق، وحينما وصلنا إلى (الدفعة) عايد قال له الضابط الكويتي: يا (دُفعة) عايد أرجو أن تحدث الأخ فلانًا، مشيرًا لي عن مهارتك في اصطياد الطائرات، حينها رفع عايد رأسه إلى الأعلى بكل إباء وشموخ وقال: ليأت لي إذا سمع صفارة الإنذار وحامت (الغربان) فوق رأس (عايد) وأشار إلى مدفعه الذي سماه على اسمه عايد، ودعناه وانصرفنا. وفي اليوم التالي حامت فوقنا الطائرات الإسرائيلية التي يسميها عايد: الغربان فانطلقت بالطبع صفارات الإنذار على طول جبهة القتال، فأسرع الجنود إلى خنادقهم، وكذلك هرعت تسابقهم إليها الكلاب التي تعتاش على نفايات العسكر، وهذا المشهد الحزين يجسد رعب الحيوان من الموت، إن يسمع الصافرات ولاسيما أن هذه الكلاب السائبة تعودت على نذير الموت من خلال القصف الجوي الذي تمارسه الطائرات تلك التي ما إن حامت في الأجواء حتى سمعنا عايد يصهل كالحصان العربي الجموح، معطيًا الأوامر لنفسه ولمدفعه في آن واحد بقوله: عايد عبّي
عايد جاهز
عايد أرمي
فانطلق عايد المدفع من كف عايد البطل ولم نر بعدها سوى طائرة معادية تحترق في السماء مولية صوب الجانب الآخر من قناة السويس.
***
بعد عامين سألت نفس الضابط الصديق عن (عايد المدفع وعايد الرجل) فقال لي: وا أسفاه لقد قصفها سرب طيران إسرائيلي كامل واستشهد عايد البطل وهو لم يزل محتضنًا عايد المدفع (!!)