السرقة جريمة خطيرة، وفتنة كبيرة، ومعصية عظيمة.. وضع الله لها عقوبة حد قطع اليد لما تخلقه من فوضى في المجتمعات وما تحدثه من اضطراب بين القبائل والعائلات، فهي جرم واضح، وفحش فاضح، لا تنم عن صالح، ولا يفعلها إلا طالح، يجتنبها كل فالح لينال الجنة والنعيم ويهتدي بنور الله ويسير على الصراط المستقيم يستبيح فاعلها ما عند جاره أو أخيه أو رفيقه ربما صديقه، ويبيع دينه بعرض من الدنيا، ويقدم نفسه للنار وأصفادها، بعدما استحل مال غيره ومد يده الآثمة إلى ما حرم الله ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين.
إني أتحدث عن جريمة عرفتها البشرية منذ أيامها الأولى، ومارسها الإنسان على اختلاف لونه وجنسه ودينه على مر العصور، فقد عرف التاريخ سرقة الطعام والشراب والحبوب والبعير والخيول والسفن، حتى وصلنا إلى سرقة المواقع الإلكترونية والتعرف على أرقام البطاقات الائتمانية وسرقتها من خلال برامج إلكترونية شيطانية، تستهدف تدمير المصارف وخلق حالة من الفوضى، والعبث بقوانين المجتمع والأسس التي يسير وفق منظومتها.
الإسلام جاء بقطع اليد حداً للسرقة من أجل أن يتحول السارق عبرة لغيره ممن يحاول أن يقلده أو يسلك ما سلك ويجعله يفكر ألف مرة قبل أن تمتد إلى ذلك الفعل الآثم، ومع زيادة التطور الحضاري والرقي البشري، وزيادة مظاهر التحضر انتشرت فعل السرقات في كل بلدان العالم الكبير منها والصغير، القوي منها والضعيف، فهي ليست اجراميا فحسب أو مشكلة اجتماعية أخلاقية وكفى، بل إنها في الحقيقة تعبر عن مرض نفسي كامن في نفس من يقوم بها يدفعه ليل نهار إلى ممارسة السرقة والقيام بها بغض النظر عن الظروف الاجتماعية المحيطة والصعوبات الحياتية التي قد تدفع الإنسان للسرقة. وتتجه العديد من الدول إلى وضع عقوبات رادعة لجريمة السرقة، تتراوح بين السجن والسجن المشدد، بينما تتجه المملكة العربية السعودية في مواجهة تلك الجريمة من خلال تطبيق شرع الله وحدوده العادلة، وتقطع يد السارق الذي يمد يده إلى ما حرم الله عليه ويغتصبه دون حق، وفي ذلك الأمر تبذل وزارة الداخلية في هذا الأمر جهداً عظيماً في ملاحقة السارقين الجانين، والقبض عليهم، ورد المسروقات إلى أصحابها وتسليم المجرمين إلى أيدي العدالة لتقضي بحكمها العادل وتسير وزارة الداخلية في تلك المنظومة وفقاً لتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، رجل الأمن الأول، مهندس مكافحة الجريمة، الرجل الذي صرح غير مرة بأنه لا وجود لقضية تقيد ضد مجهول، الرجل الذي لا يدخر جهداً في ملاحقة الجريمة في شتى ربوع المملكة ويعمل جاهداً ليل نهار على إشاعة الأمن والاستقرار بين المواطنين السعوديين والمقيمين بمختلف فئاتهم، فتحية مخلصة لسمو الأمير على مجهوداته العظيمة في إرساء الأمن والأمان في المملكة.
إن السارق عندما يرتكب جريمته لا يدرك أبداً أن ما اغتصبه من أموال وأثاث أو ثمار أو غيرها يخص رجلا فقيرا أو شيخا كبيرا أو طفلا صغيرا أو مسكينا يتيما أو أرملة فقدت العائل والسند أو زوجة أصاب زوجها المرض، أو شابا يعول أسرة، فلا يلقي السارق لذلك بالا، ولا يضع في حسبانه أدنى سؤال، لماذا أسرق؟
لو أجاب السارق على ذلك السؤال لنجحنا في علاج الأزمة، فنحن نقول لكل من يحاول أن يسرق، لماذا لا تأكل من عمل يدك بدلا من أن تضعها في جيب غيرك.
لماذا لا تكسب حلالا بدلا من السعي الدائم نحو الحرام المهلك؟ لماذا تغضب الله ثم ولي الأمر والمجتمع والأهل مع أنه بإمكانك إسعادهم وإدخال الفرحة والأمل إلى قلوبهم وأسماعهم أبصارهم؟
المشكلة تحتاج إلى تأهيل نفسي واجتماعي للسارق فالأمر بالأساس تحركه النوازع النفسية والكوامن الشريرة ونزغات الشيطان، التي لا تمل ولا تهدأ من الوسوسة في النفس البشرية الضعيفة، العلاج سهل وبسيط وبين أيدينا في الاهتداء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، والاتجاه نحو جلسات العلاج النفسي والصحة النفسية، وعقد ندوات تثقيفية لنشر ثقافة المجتمع الخالي من السرقة، مع ضرورة إنشاء صندوق وطني للمسروقات، التي يتم القبض عليها مع السارق وبيعها بالمزاد العلني بين فترة وأخرى، لإعطاء المجني عليهم حقوقهم المسلوبة، بعد وضع آلية مناسبة لذلك، والدعاية لذلك من خلال حملة إعلامية كبيرة تسري في شتى مناطق المملكة، حتى نكون أول دولة في العالم قاطبة تعالج آثار الجريمة بأسلوب حضاري راق ونرد الحق الضائع لأصحابه، ونعطي الجزاء الرادع لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الناس واللعب بأموال المواطن السعودي أو المقيم على هذه الأرض الطاهرة، التي نسعى بشتى الطرق إلى المحافظة على أمنها وسلامتها وحفظها من كل شر وسوء.
وأخيراً ندعو ونلتمس من الله الإجابة أن يحفظ المملكة من السرقة والسارقين ويهيديهم إلى نور القرآن الكريم وصحيح البيان وحق الإيمان، وأن ينشر الأمن في بلادنا الحبيبة ويصبغ الهدوء والسكينة على سائر بلاد المسلمين وأن يجعل من الحب والسلام والتعاون والنظام والخوف من الله شعار بين الناس ودستور عمل يسيرون عليه ولا ينشقون عنه.