قالوا حرية وحقوق إنسان؛ فاعتقدنا لسذاجة فينا أن المقصود هو الإنسان دون تحديد هويته أو مكانه أو دينه؛ فسارعنا لننال شرف الانضمام إلى القائمة التي يُشْرفون عليها، ويُلحقون بها أو يُسقطون منها مَنْ أرادوا..! أصبح ورود أسمائنا في هذه القائمة أو عدمه شرفاً وعاراً يتلبسنا، ويزيد أو ينتقص من مكانتنا، وكعادتنا دون تفكير بعثرنا دفاتر حياتنا، ونبشنا عاداتنا وقِيَمنا.. نُغيِّر تارة، وننتقد أخرى، ونتحلل من كل ما قد يشبهنا ولا يحبونه؛ لنسبغ على أنفسنا صفات ومسميات يحبونها؛ لنبين لأصحاب السِجِل الشرفي الذي نلهث خلفه أننا متقيدون بكل ما حددوه من أُسس ومعايير؛ عَلَّهم بعد هذا يُدرجون أسماءنا في سِجِلهم الشرفي!!
تنبهوا لاندفاعنا، وتأثرنا بما يصنفونه؛ فطالبونا بإظهار الجدية وحُسْن النوايا بألا نعترض امرأة منهم خطر على بالها أن تعوم شبه عارية على أحد شواطئنا، إنْ رفضنا أكدنا لهم أننا لسنا أهلاً للانضمام لسِجِلهم الشرفي، وإنْ قَبِلنا عارضنا مبادئ آمنا بها قبل أن نعرفهم ويسيطرون علينا؛ فاخترنا أن نسير وَفْق ما يريدون، والخوف من أن نُدمَج مع من لا يعترف بالحريات وحقوق الإنسان يقودنا!!
لكن سذاجتنا غلبتنا؛ فطالبنا بدورنا بأن تسير امرأة منا في شوارعهم مستترة؛ فانقلب الجميع علينا، وسُنَّت القوانين والنُظُم تحت تصفيق واستحسان المشرفين على سِجِل الحريات الشخصية وحقوق الإنسان لمنع هذا؛ فاختلطت الأمور علينا، لكننا لضعف فينا بلعنا أصواتنا وصمتنا!!
أحياناً يصيب عقولنا مرض التفكير! ونتفكَّر في مفهوم الحرية التي يقصدونها، وحقوق الإنسان التي يريدونها؛ لنرى أنهم يشنفون آذاننا بحرية تحديد المصير، ثم يُسيّرون جيوشهم ووسائلهم المختلفة ليفرضوا علينا ما يريدون، ويسيئون لمقدساتنا ورموزنا، ويمسون عقيدتنا بما يحبون، تحت عنوان (حريات الرأي وحق الاختلاف)! وعندما يقول أحدنا قولاً في أحد رموزهم يوصف بمعاداة السامية، ويُوضع اسمه تحت قائمة الإرهابيين المطلوبين للعدالة، حتى هذه العدالة التي يقولون بها تشنق رئيس دولة منا؛ لأنه قتل بضعة أشخاص حاولوا اغتياله، وتُكرِّم رئيس دولة منهم اعتدى على أرضنا، ومات تحت قنابل وأسلحة جنوده الملايين منا..! ويقودنا تفكيرنا الخجل إلى أنهم يقصدون إنساناً له سحنتهم، ويسكن أرضهم، ويؤمن بانفلات مبادئهم.. أو أي إنسان آخر غيرنا؛ فنحن مجرد أعداد عليها أن تطحن نفسها؛ ليحقق إنسانُهم ما يريد؛ فله الحق أن يتحرك في دائرة العرب والمسلمين كيفما يشاء؛ فيحرق القرآن إنْ رأى ذلك، ويسب صحابة رسول الله، ويقتل الملايين من العرب أو المسلمين، ويمنع الحجاب، ويعامل غيره بعنصرية مُطْلقة ومفضوحة.. فكل هذا لن يناله منه غير بعض انتقادات من هنا وهناك، وكلام ربما يصفه ببعض الصفات التي قد لا يرتاح لها، لكنها لن تمنع عنه حريته وإنسانيته، وسيبقى في عرف القانون الدولي وقانون الحكومات المتمدنة إنساناً له حقوق يجب صيانتها والمحافظة عليها..
وفي المقابل أنت إرهابي متخلف، تدعو لقتل الإنسانية إنْ قُلتَ ما ترى أو أسأت دون قصد لإنسان غير مسلم.. ومع هذا لا نزال نجتهد ليُدرجوا أسماءنا في سِجِلهم الشرفي، لكنهم حتى الآن لا يفعلون.. والله المستعان.