حذّر المحامي الدكتور وائل بافقيه الشباب السعوديين المتزوجين حالياً بأمريكا ورُزقوا بطفل أو طفلة على الأراضي الأمريكية من تبعات تفاقم المشاكل الزوجية ووصولها إلى المحاكم الأمريكية، معتبراً ذلك بداية الغرق؛ حيث إن المولود أصبح مواطناً أمريكياً فوق العادة، وأصبحت والدته بالتبعية زوجة فوق العادة، بما يجعلها الآمرة الناهية، وذلك على خلاف ما هو معمول به لدينا في محاكمنا.
(الجزيرة) التقت المحامي بافقيه في حديث مقتضب؛ لتسليط الضوء على بعض الجوانب القانونية بحكم تخصصه في النزاعات القانونية الدولية، والرد على بعض الشائعات والقصص التي تناقلتها وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية عما يتعرض له أبناؤنا في المحاكم الأمريكية. فإلى الحوار:
مشكلات تنتهي بالخلع
تم مؤخراً من خلال المنتديات والإنترنت تداول قصص للسعوديين يواجهون الخلع وفقاً للقانون الأمريكي، فكيف هو الوضع وفقاً لمعلوماتكم؟
صحيح.. يواجه المتزوجون من الشباب السعوديين الموجودين الآن بأمريكا إما للدراسة أو العمل، ورُزقوا بطفل أو طفلة على الأراضي الأمريكية؛ الأمر الذي يخولهم بالحصول على جواز سفر أمريكي، الذي فرحوا به كثيراً، مشاكل كبيرة؛ حيث يُعتبر ذلك بداية الغرق؛ فهذا المولود أصبح مواطناً أمريكياً؛ ما يعني أنه مواطن فوق العادة، جعل والدته بالتبعية زوجة فوق العادة، وجعلها الآمرة الناهية، والحاضنة والحافظة والراعية لهذا المواطن؛ فالويل كل الويل إذا فكر أحد مجرد التفكير في إخراج هذا الطفل والعودة به إلى وطنه الأصلي حيث آبائه وأجداده؛ فوقتها سيجد استدعاء لونه أزرق، وهو الاستدعاء إلى المحكمة، ودعوى بالطلاق، وجلسات في المحاكم حتى يُحكم للزوجة بما طلبته، وتصبح الكارثة أمراً واقعاً وحقيقة لا خيالاً.
ما الأسباب التي تستند إليها الزوجة للخلع الأمريكي؟
الأسباب والطلبات التي تقدمها الزوجة السعودية لطلب الطلاق من زوجها أمام المحكمة تكون عديدة ومختلفة، ولكن أكثرها استخداماً من قِبل كل الزوجات، سواء سعودية أم غير ذلك، هي عدم التوافق العاطفي والتجاوب النفسي، وتسرد الصفحات وتملأ العبارات معبرة عما تعانيه من إحباط وأضرار نفسية لحقت بها من زوجها، وما ساهم به في حدوث اهتزاز عنيف في اعتدالها النفسي؛ ما أفقدها قدرتها على التجاوب ومشاركة الآخرين في حياة صحية.
وهل تكفي هذه الأسباب عادة للخلع في القانون الأمريكي؟
عادة لا يكتفي بهذا السبب، بل يجب أن يتم تدعيمه وتقويته، ومن أكثر الأساليب الضالة والناجحة هي أن يتم ذكر أن الزوج لديه ميل واعتناق لأفكار سلفية، خاصة أن أصوله الشرق أوسطية تساعد على انتهاجه هذا الفكر متأثراً بتربيته ونشأته؛ ما تخشى معه على نفسها وأبنائها التأثر بمثل هذه الأفكار والمعتقدات التي ستحرمها هي وأولادها القدرة على التكيف والتواؤم مع المجتمع الأمريكي.
كم يبلغ مقدار النفقة التي تقرها المحاكم الأجنبية على الزوج؟
النفقة هناك ليست كما عندنا مبلغ لا يتجاوز 500 إلى 1000 ريال شهرياً للطفل، بل النفقة هناك تفصيلية، فهي تطلب نفقة سكن، ونفقة تعليم، ونفقة صحية، وكذلك نفقة معينة، فإحدى الحالات حُكم عليها بنفقة شهرية وصلت إلى ثمانية آلاف دولار لطفلين.
بماذا يُلزَم الزوج أثناء فترة حضانة الزوجة في القانون الأمريكي؟
إذا حصلت الزوجة على حضانة كاملة للأطفال، وثبت أن الأب يمثل خطراً على أبنائه، سواء كان الخطر مادياً أو معنوياً، فيلزم الأب بعدم الاقتراب من الطفل أو لمسه أو الاحتكاك به أو الاتصال للاطمئنان عليه، وعدم وجوده بقربه لمسافة لا تقل عن 500 قدم، ولا يراهم إلا بإشراف قضائي ولفترة محدودة (عادة لا تتجاوز الساعتين أسبوعياً)، بوجود مراقب؛ حتى لا يغرر بهم، هذا بالإضافة إلى الطلاق ونصيبها في الثروة والأملاك الذي يصل إلى أكثر من النصف؛ لأنها التي ساهمت بشكل كبير في تحقيقها خلال فترة الزوجية.
نقلة نوعية بالمملكة
في جانب آخر، ما النقلة النوعية التي لمستموها بعد إصدار النظام القضائي الجديد في المملكة؟
الحقيقة إن اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالقضاء واضح وملحوظ، ولا يخفى على أي مواطن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير المرفق القضائي، ومن ضمن هذا المشروع صدور النظام القضائي الجديد الذي جعل للقضايا محاكم متخصصة لنظر كل نوع من القضايا؛ فستكون هناك محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الحقوقية والمحاكم التجارية، كما أنه وجدت المحاكم الاستئنافية المتخصصة لكل نوع من أنواع القضايا، والمبدأ المهم الذي أقره هذا النظام للعمل به هو الاستئناف حضورياً، كما أُنشئ في ظل هذا النظام كيان جديد اسمه (المحكمة العليا) و(المحكمة الإدارية العليا)، ولكن لتفعيل النظام ليرقى بالشكل المطلوب والمأمول يجب وضع أنظمة مساندة توضح إجراءات التقاضي والمرافعات والإثبات لكل محكمة متخصصة، كما يجب تأهيل كوادر متخصصة لتسيير هذا المرفق، كل حسب اختصاصه الدقيق؛ فلا يمكن أن يكون التطوير تطويراً بنيانياً وتغييراً للأسماء فقط؛ فهذا لن يغير من الواقع شيئاً، بل لا بد من التطوير الأعمق في الأنظمة والكوادر.
كيف ترى أنظمة المحاكم من حيث سرعة الإجراءات وإصدار الأحكام؟
نرى أنظمة ترافق المحاكم التجارية من حيث قواعد المرافعات التجارية وآليات التقاضي والإثبات ووضع ضوابط زمنية للفصل في الدعاوى التجارية من حيث سرعة البت؛ ليحقق ذلك قيمة وضرورة النزاع التجاري وسرعة البت في القضايا التجارية لتفعيل الدور الاقتصادي والنشاط الاقتصادي بالمملكة، وقياساً على ذلك يجب أن تعامل سائر المحاكم المتخصصة بالمثل حيث الأنظمة المرافقة لها؛ ليصبح لدينا نموذج قضائي سبّاق تقارع به المملكة باقي دول العالم.
ما آليات المطالبة بالتعويض ومقداره وضوابطها في المحاكم السعودية؟
الكثير من الأنظمة المعمول بها ينص على حق التعويض عن الضرر؛ فقواعد المرافعات أمام ديوان المظالم ونظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المؤسسات الصحية ونظام هيئة سوق المال جميعها تقر مبدأ التعويض عن الضرر، ولكن لا يوجد نظام واحد مكتوب يحدد كيفية احتساب هذا التعويض وآليته ومقداره ولا حتى كيفية تقديره وضوابط التقييم.
برأيكم كيف يمكن لشركة بريطانية تقاضي شركة صينية في السعودية مثلاً؟
وضعت المملكة نموذجاً للقضاء العصري المتطور الذي يتفاعل مع أصحاب الحقوق، ويقدم صوراً رائعة لوحدة الأحكام في المواضيع المشابهة؛ إذ أنشأت مراكز التحكيم السعودية، وأصبحت ذات قدرات عالمية، وتضم كفاءات وقدرات من السعوديين المتبحرين في علوم القانون الذين يجيدون اللغة الإنجليزية بطلاقة، وإذا صدر قانون سعودي بخصوص إدارة الدعوى وجلسات الاستماع ليحقق نقلة نوعية في حفظ الوقت والجهد للمتنازعين، وكذلك إذا صدرت مدونات الأحكام القضائية وما تحتويه من أسباب وحيثيات للحكم مترجمة إلى لغات عدة أقرت نظريات ومبادئ متطورة في القضاء يدرسها عدد كبير من المحاكم الأوربية، وإذا صدر قانون تجاري سعودي يقر قواعد ويرسي مفاهيم في التعويض المادي والمعنوي وفوات المكاسب المستقبلية بمنظور شمولي واسع، وإذا صدر قانون ينظم عمليات البنوك السعودي الذي يفصل التزامات الممولين والمقترضين وفق آليات جديدة وغير مسبوقة، وإذا صدرت أنظمة الحجز التحفظي والوقتي والإجراءات الوقتية التي يستطيع المتنازعون اللجوء إليها أثناء نظر الدعوى بطريقة واضحة وفعّالة.. فلن يكون مستجداً أو غريباً أن نجد شركات أجنبية تتجه لحل نزاعاتها أمام المحاكم السعودية.