إن الاهتمام باستثمار الأموال قد زاد كثيراً في أيامنا، وشغل الكبير والصغير، فلا يكاد ينعقد مجلس إلا ويتطرق الحديث فيه إلى الاستثمارات.
ولا شك أن اختيار استثمار معين ينبغي أن ينطلق من أمرين:
الأول: المعرفة الوافية لمختلف أنواع الاستثمار وميزات كل منها.
والثاني: الرؤية الواضحة للأهداف المتوخاة من الاستثمار.
إن الناس متفقون على أن الاستثمار هو الطريق الأكثر ضمانة وسلامة لتنمية المال.
والجامعات اليوم - مثل غيرها - مطالبة بتنمية مواردها البشرية والتقنية، الحكومية وغير الحكومية، وعدم الاعتماد على مصدر وحيد في التمويل بما هو مخصص لها في ميزانية الدولة.
أما أبرز المجالات التي يمكن للجامعات تنمية مواردها من خلال استثمارها، ففي نظري أن أبرز المجالات تتمثل في: التبرُّعات والمنح والوصايا والأوقاف، ولكن وفق شروط معينة؛ منها:
أولاً: إن وجدت شروط من قبل المتبرعين والمانحين والموصين والواقفين، فتطبق تلك الشروط؛ بحيث يكون صرفها بحسب الشروط، أما إذا تعارضت تلك الشروط مع أهداف الجامعة، فلا تقبل تلك التبرعات والمنح والأوقاف والوصايا أصلاً. وكذلك إذا كان من الشروط ما هو غير معتبر شرعاً، فإنه يكون لاغياً تلقائيّاً، كما لو شرط صرف المال في ترجمة كتب سحر وشعوذة وإلحاد، أو إعداد بحوث في مناقضة الشريعة، أو الرد على أهل العلم الشرعيين.
ثانياً: إذا لم توجد شروط من المتبرع أو الموصي أو الواقف حينئذ، فالأولى صرفها في وجوه البر والقرب، مثل: طباعة كتب العلوم الشرعية أو ترجمة شيء منها أو ترجمة معاني القرآن الكريم أو السنة النبوية، أو الإنفاق على طلاب العلم الشرعي وحَفَظَة القرآن والسُّنَّة، كما يجوز صرفها في كل الوجوه المباحة؛ من تعليم العلوم الشرعية، وإعداد البحوث فيها أو إصدار مجلات دورية أو الإنفاق على مشاريع الجامعة الأخرى.
ثالثاً: بالنسبة للأوقاف والوصايا أرى أنْ يكون التنسيق بين الجامعات ووزارة الأوقاف، والشؤون الإسلامية؛ حتى لا يُساء التصرُّف فيها، ولكي يكون الموصي أو الواقف واثقاً من الصرف في المجال المناسب وبالأسلوب المناسب.
ويمكن للجامعات أن تُنشئ مراكز بحثية أو كراسي بحثية أو عمادات للبحوث؛ أسوة بعمادة البحث العلمي، ومعاهد البحوث والدراسات الاستشارية وعمادات المركز الجامعي لخدمة المجتمع على أن يكون من ضمن اختصاصاتها إجراء البحوث والدراسات، وإقامة الدورات مقابل عوائد مناسبة.
ويمكن لتلك المراكز البحثية أن تقدِّم خدماتها للمؤسسات التجارية والصناعية وغير ذلك، كالجهات الأمنية مدفوعة الأجر وبأسعار منافسة.
وهناك المعارض الدائمة التي يمكن للجامعات أن تنشطها وتعقدها للكتب الجامعية والعلمية والأدوات الدراسية مقابل عوائد مناسبة.
ويمكن دعوة الأثرياء ورجال الأعمال والقطاع الخاص؛ من أجل تبني أعمال معينة، والتكفُّل بتكاليفها، مثل: عمل أبحاث معينة، دعم برامج المنح الطلابية، تأمين أجهزة وتشغيلها، وتمويل المعامل والمختبَرات، وتأجير بعض الممتلكات داخل المملكة وسيلة مناسبة من وسائل تنمية موارد الجامعات.
كما يمكن للجامعات أن تحقق نفعاً، وتحصل على روافد مالية من القاعات والصالات، والمراكز الترفيهية والرياضية والاجتماعية من خلال:
1- تبني الأثرياء ورجال الأعمال والقطاع الخاص تمويل واستثمار تلك المناشط.
2- وضع عوائد مالية مناسبة للاشتراك والمساهمة في تلك المناشط.
3- إقامة الدورات والمسابقات والأُمْسيات مقابل مبالغ رمزية.
4- دعوة المؤسسات والشركات للاستفادة من مرافق الجامعات مقابل عوائد مجزية.
وأزعم أن الدور الإعلامي ضعيف وخافت فيما سبق، بل إن الإعلام بمختلف أشكاله لم يعط هذه القضية الاهتمام المناسب.
وأظن أن قيام وسائل الإعلام وفنون الدعاية والإعلان وشركات التسويق بدورها على الوجه الأكمل في مجال حث أفراد المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته وأجناسه على تطوير وتنمية موارد الجامعات سيدفع بالقضية إلى حيز الاهتمام اللائق بها.
ولذا، فإن من أفضل السبل لإيجاد تعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية المحلية:
1- تبنِّي أقسم الإعلام بالجامعات مهمة التنسيق وتوحيد الجهود، ووضع الآليات المناسبة، وفتح القنوات اللازمة لذلك.
2- قيام إدارات الإعلام الجامعي والعلاقات العامة بالجامعات بدور ريادي في مجال الدعاية والإعلان وتوزيع المطويَّات الموضحة للأهداف.
3- مشاركة أعضاء هيئة التدريس في البرامج الإذاعية والتلفازية إلى جانب الكتابات الصحفية عن هذا الموضوع.
وأزعم أن الجامعات بكافة مرافقها ومبانيها، وأنشطتها وإداراتها، وكُلِّيَّاتها وعماداتها مناسبة لأي استثمار، فمن خلال المنشآت الرياضية ونوادي الطلاب، ومعامل الكُلِّيات، وبرامج المركز الجامعي لخدمة المجتمع، وأنشطة ودورات الكليات وغيرها كثير، من خلال ذلك يمكن أن تحقق الجامعات تنمية مطردة في مجال تنمية استثماراتها من خلال: العوائد المناسبة؛ التأجير، التمويل، الاستثمار، الرسوم الرمزية.
ختاماً: فإني أرى الوقت قد حان للجامعات للتفكير الجدي ووضع الآليات المناسبة لدعم وتطوير وتنمية مواردها واستثمار طاقاتها ومرافقها.
ثم إني أدعو إخواني رجال الأعمال والأثرياء والقطاع العام والخاص بكل أشكالهما للمساهمة في ذلك، ودعم القنوات الاستثمارية وتبنِّي الأوعية التنموية؛ من أجل مستقبل أرحب للجميع.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية