أما وقد نجحت انتفاضتا الشباب في تونس ومصر في إسقاط نظامين عربيين تحت وقع الاحتجاجات الجارفة المطالبة بالتغيير من أجل حياة عصرية أفضل، ومع إيماني بمشروعية المطالب التي رفعها المتظاهرون وحقهم في التعبير عن آرائهم بالطرق السلمية، إلا أن السؤال الحتمي هو: وماذا بعد ؟ وهل الاحتكام إلى الشارع هو الحل الأمثل للوصول إلى تحقيق تلك المطالب ؟
أعرف مدى المعاناة وضيق العيش التي يعيشها الشباب في أغلب الأوطان العربية التي يشكلون فيها أكثر من 70% من إجمالي عدد السكان، لكنني أعتقد أن بلدا كبيرا مثل ( مصر) ؛ تقذف فيه الأرحام كل عام أكثر من مليوني مولود لتضاف إلى 80 مليون إنسان، وفي بلد محدود الموارد لا يمكن أن تحل أوضاعه بمجرد الخروج إلى الشارع وتغيير النظام!
صحيح أن أغلب الأنظمة العربية محاطة بطبقة من الفاسدين والمستفيدين ومستغلي السلطة وهم في تصوري المؤلبون الحقيقيون لكراهية أي نظام!
الثورة الشبابية التي رأيناها في تونس ومصر ثورة مشروعة ونقية لكن دخول أحزاب ورقية وأفراد متعطشون إلى السلطة أفقدها الكثير من نقائها، وسيدفع الشباب الثمن، بوجود تلك الطبقة التي جاءت لتقطف ثمرة جهدهم وتضحياتهم، واللافت أن الفضائيات أظهرت عودة الكثيرين من الأسماء التي عاشت خارج مصر ولم تعانِ ما عاناه أولئك الشباب من بطالة وفقدان فرص العيش الكريم ليشاركوا في التظاهرات!
الانتفاضة الشبابية تعبير عن حالة التردي والإحباط التي وصل إليها أولئك الشباب، غير أن الجانب الآخر من المعادلة وفي دول شحيحة الموارد، كثيرة السكان تشي في نظر المراقب المحايد إلى جانب مظلم، خاصة في ظل شل حركة اقتصاد مثقل بالأعباء، وفساد يملك القدرة على التمويه، وكذلك تزاوج (كاثوليكي) بين رجال السلطة، وهوامير المال!
نجاح الشارع في إسقاط أي نظام لا يعني بالضرورة نجاحه في إيجاد حلول فورية لحاجاته ومتطلباته. وأظن أن الحالة المصرية وقبلها التونسية يمكن أن تتكرر في بلدان أخرى تعاني من نفس الأوضاع ما لم تفطن تلك الأنظمة إلى حاجات الشباب ومطالبهم ووضع استراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى لوضع الحلول المناسبة.
لقد غيب شباب مصر وتونس أكذوبة (النخب الفاعلة) في الشارع العربي، وكذا الأحزاب والتيارات الدينية وان حاولت أن تركب (الموجة) وتقدم نفسها بصورة مخالفة لأيدلوجياتها المعروفة!
ما أريد أن أقوله ببساطة: ان الرهان على نجاح الانتفاضتين الشبابيتين في إحداث التغيير المطلوب لا يمكن التسليم به إلا بعد أن تتحقق تلك المطالب على أرض الواقع.
وأخشى ما أخشاه أن يكون الحال كما عبر عنه شاعرنا القديم:
ربّ يوم بكيت منه فلما
أصبحت في غيره بكيت عليه
ودعونا ننتظر !!