في محاولةٍ لِتَتَبع رؤى الآخَرين وأبعَادهم النفسية، والروحية، والذهنية حِيال النصوص أو الجُمل أو الكَلِمات، كَتَبت في صَفحتي على ال»Face book» العِبارة النَّصيّة:
لِسَانٌ يَكْنِسُ العَتمَة
تَركت العبارة سَاعّات مِن عمر الزّمّن، أتابِع ما ترحل إليه، وتترحّل به الذهنية البشرية من تصوّرات، وفهم، وتوصِيف للمعنى المراد من العبارة النصية،
معنى تصوّره ذهن كل فرد قرأها، لا المعنى الذي أردته من العبارة، الذي قد يكون معانٍ عدة، لا معنى واحد، فكانت هذه التصورات والمفاهيم والمعاني والتعليقات:
1 - عتمة تختفي هرباً.
2 - قمة البلاغة التصويرية، فهل الواقع إلا كلمات تغير رؤيتنا لكل شيء، وهل الظلام العتمة إلا سلب صورة النور، هل الأشياء، نحن، الوقائع، القوانين، الأنظمة، القوى، القيود، الصور، المعاني، المجتمع، المذاهب، الفلسفات، الآراء، الثروة، المال، وغيرها، إلا من كلامنا تنتظم به، وتقوم به، وبه، أي باللسان، كما صنعناها، نستطيع أن نكنسها، والكنس هنا إزالة، إخراج، دع فقط لسانك حراً منطقياً مفكراً عالماً شجاعاً سوف يفعل أكثر مما هو كنس، بل ربما ثورة بركانية، تغير كل شيء.
3 - ويتذوق النور يا سيدتي.
4 - ويستنطق الدهشة..! ويتلعثم شوقاً..!
5 - لِسَانٌ يَكنِسُ العَتْمَه... ببقايا الأمس.
6 - عتمة عميقة تصبغ كل شيء.. هدى.
7 - سطر يعادل قصيدة كاملة.
8 - شهي حين يضيء الداخل في الإنسان ويغسل الروح بالعذب من الأحلام.
9 - عنقود من نور.
10 - حينما ينطق النور لا عتمة تبقى.
11 - وعتمة تدهش اللسان؟؟!!!
12 - يرشق وجه العتمة برذاذ الضوء، ويدثر جدران الجسد اليابس ويبعث نبضاً لا يهدأ.
13 - اللسان يفض عتمة الصمت.
14 - هي الحقيقة البيضاء سيتفوه بها اللسان.
15 - انعكاس من داخل يعكس جمالك.
16 - هدوء وبعد عن الضجيج.
أمام النص، وحول الآراء والتعليقات عليه، تجلّى في مخيلتي رأي علماء النفس والاجتماع عن مفاهيم البشر للأشياء، المفاهيم والتصورات التي تجيء وفق حالة الشخص النفسية والروحية الآنية أو الدائمة. بمعنى: لو كتبت كلمة (جدار) فالتصورات والتأويلات ل الكلمة، أما مدى ارتفاع ذلك الجدار، أو عرضه، أو امتداده، أو نوعه: هل هو جدار طيني أو فولاذي أو أسمنتي، وهناك من يتصور القيود المفروضة والحواجز ال أشبه بالجدار، تصور آخر أن للحرية حدود لا يمكن تجاوزها، أو للفرد خصوصية نقف عندها ولا نقترب منها وقوفنا أمام جدار يفصلنا عن الذي خلفه.. وتصورات أو تأويلات ومفاهيم لا تنتهي؛ تقدم الذهنية الإيجابية للفرد والذهنية السلبية، وتكشف لنا عن شخصية الإنسان في تفاؤله أو تشاؤمه، وبعد البصيرة لديه أو قصرها وربما تلاشيها؛ وبالتالي نعي إذا كنّا في تعاملنا مع الحياة والأشخاص والمواقف إيجابيين أو سلبيين، وتعامل الفرد الآخر، الوعي الذي يمنحنا مسافة ممتدة لمراجعة ما نحن عليه من سلبية أشبه بجرس إنذار عن خطر محدق، أو ما اتضح لنا من إيجابية تنتظر منّا تغذية راجعة مع عدم إبقائها في الحيز المتحيز ذاته، فلا تتجاوزه كالذي لا يسير أو يتحرك إلا في محيطه ومساحته وحدوده.
النظر إلى الأشياء من زاوية واحدة، هي زاوية حالتنا النفسية الآنية أو الدائمة نظر مبتور، ضد مقومات الصحة النفسية والذهنية والجسدية؛ وبالتالي إذا رأينا أسنان من ابتسم أمامنا لا نتوقعه يضحك علينا أو يهزأ بنا لأنه رأى فينا نقيصة، فنبادر فوراً إلى المرآة نشاهد هيئتنا، يعترينا شك ما حيالها.
إذا أتصور أن عبارة: لِسَانٌ يَكْنِس العتمة، تمنح ذهن المتلقي تصوراً إيجابياً لصالح الفرد والطبيعة والأشياء لا ضدها، لماذا أو كيف؟
اللسان: حاسة مهمة للبشر، على وجه التخصيص، تمنحه سقف حرية مرتفع لأن يقبل ما تذوقه أو يرفضه بناء عن تمدد اللسان «حلاوة وملوحة وحموضة» أو تقلصه «مرارة ولذوعة» أكلاً وشرباً وحديثاً ومنطقاً. ويمكن توظيف اللسان في مهمة أخرى خارج حدود الحس الروحي كونه جزء من كائن بشري، بأن يتولى عملية الكنس!
الكنس: وظيفة بشرية حسنة تكفل للفرد مردوداً مادياً لا بأس به، وتتكفّل في حماية الطبيعة والبيئة بتقليص النفايات. والجائع إذا أتى على الطعام كله في طبقه، وطبق من حوله قالوا له: كَنَست الأطباق. لكن التاجر الجشع والبائع الطماع يمكن أن (يكنس) جيب المستهلك إذا بالغ في السعر أو غشّ في الكيل والوزن عندها لن يصبح الكنس وظيفة حسنة، ولا أفَضّل أن «يكنسني» القارئ من ذهنه، ومقالاتي إذا انتهى من قراءة مقالي هذا وبالتالي يعتم يومي وما يليه من الأيام.
العتمة: الضرير لا يرى الأشياء من حوله ولا الكائنات لا لأنها معتمة، وإنما لأن حاسة بصره غشتها العتمة الموصوفة بالسواد والاسوداد. يمكن للطب أن يكنس عتمة الضرير بعملية جراحية في عينه تعيد إليه بصره، كنس العلم لعتمة الجهل، كنس الكهرباء لعتمة الغرفة والمكان أو الحيز. بيد أن قاصد النوم يلجأ إلى (قناع النوم) الذي يمنحه عتمة مضاعفة فيعزله عن مصدر الضوء في المكان، الكهرباء أو ضوء الطبيعة - نور النهار -. وبالتالي تتحقق له عتمة ينساب معها الذهن ويسترخي حتى يلج عالم الأحلام فتكون العتمة الإيجاب.
* محاولة لقراءة نص مفتوح على اعتبار أن الحياة نصوصاً مفتوحة لا تقبل الانغلاق على معنى واحد، لكننا من يغلقها على ذات المعنى فتصبح حياتنا، بفعل سلبية النظرة لها، رأس دبوس يَنْغَرِز ولا يتوقف في مسامات جسدنا، مسامة، مسامة، مسامة، مسامة.
إذاً لنكنس عتمة القراءة الواحدة للحياة، ونقرأها بصورها المتعددة بلسان العقل الواعي المتبصر والمستبصر والمبصر حتى يعم النور والبياض.
P.O.Box: 10919 - Dammam 31443