|
تحليل :حسن أمين الشقطي *
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع خاسراً نحو 125 نقطة، وهي الخسارة التي مُني بها المؤشر تقريباً يوم الأربعاء، في ضوء التراجع الجماعي للقطاعات السوقية كافة استجابة لحالة الهبوط الجماعي للبورصات الخليجية كافة بوصفه نتيجة حتمية لحالة الاضطرابات التي بدأت تنتاب دولتَي البحرين وليبيا.. فقد نشب نوع من القلق لدى المستثمرين ببورصات الخليج كافة نتيجة مخاوف تحوُّل هذه الاضطرابات إلى حالات مشابهة لما حدث في مصر وتونس؛ ولذلك يعتقد الكثيرون أن هناك حالة من الهلع بدأت تصيب المستثمرين الأجانب من جديد، تسببت في حالة تراجع في بورصات الخليج والأردن، وقد ظهر نوع من العلاقة الطردية بين حدة الهبوط في البورصات المتراجعة ومدى تركز وجود هؤلاء الأجانب في هذه البورصات؛ فالبورصات التي يتركز فيها وجود الأجانب ظهرت فيها معدلات أكثر حدة للهبوط، فضلاً عن أن القرب الجغرافي من البحرين كان أيضاً مبرراً يبدو منطقياً لحدة التراجع.
التراجع الأسبوعي للمؤشر
هو تراجع لجلسة الأربعاء
سار المؤشر في طريقه المعتاد طيلة أيام الأسبوع حتى الثلاثاء، لدرجة أن حصيلة الأيام من السبت حتى الثلاثاء كانت تدل على مسار أفقي لم يخسر فيه المؤشر سوى ست نقاط فقط، ويعتقد الكثيرون أن المؤشر كان يجهز نفسه للتمسك بهذا المستوى بوصفه قاعدة للصعود إلى مستوى أعلى في ضوء تحركات حثيثة بالصعود من العديد من أسهم المضاربات، إلا أن الاضطرابات السياسية بالبحرين التي بدأت تحتد منذ نهار الثلاثاء تسببت في تخلي المؤشر عن مساره الأفقي؛ ليتخذ مساراً هبوطياً على مستوى القطاعات كافة.
ارتفاع 6 أسهم رغم تراجع الجميع
في خضم حالة التراجع الجماعي يوم الأربعاء الماضي تمكَّنت (6) أسهم من الخروج رابحة في مقابل 137 سهماً خرجت خاسرة. وتمثلت هذه الأسهم الرابحة في: الأبحاث والتسويق، ومعدنية، وميد غلف، وزين السعودية، وصدق، وجازان. والمتفحص لهذه الأسهم يلحظ أنها إما أسهماً مضاربة أو أسهماً محل أخبار أو مستجدات، فإذا كنا نصنف صدق ومعدنية وجازان وميد غلف بوصفها شركات ذات نشاط مضاربي معروف فإن زين هي محل للتغيير المتوقع.. ولعل هذه الأسهم تؤكد صحة نظرية ليست بغريبة عن السوق المحلي، هي أن هناك شرائح معينة بالسوق تستغل أية أخبار أو ظروف، حتى لو كانت هذه الظروف سلبية ومخيفة في عمليات مضاربة قوية.. فحتى القلاقل السياسية يتم استغلالها لتحقيق أرباح مضاربية، فالمضاربون لا يخافون عندما يخاف الجميع، بل على العكس فإن أرباحهم المضاربية تزداد Wبقوة خلال هذه الفترات؛ فهناك كثيرون منهم يسيطرون على عمليات الشراء في عز أوقات الهروب أو البيع الجماعي، وإلا فلنسأل أنفسنا: هناك من يبيع، ولكن من يشتري إذا كان الجميع يبيعون؟ في اعتقادي أن أفضل فترات المضاربة هي المضاربة على العنصر المخيف؛ لأن الربح فيه مضمون، خاصة عندما يزول القلق السياسي أو المؤثر المخيف في المنطقة المحيطة.. فمثلاً عندما ظهرت الاحتجاجات في مصر خسر مؤشر السوق السعودي 431 نقطة في يوم واحد (29 يناير الماضي)، ولكن في اليوم التالي ربح المؤشر 155 نقطة، وهذا بالطبع تخلله خسائر أكثر حدة في أسهم معينة، وتخلله أيضاً أرباح كبيرة جداً لبعض من هذه الأسهم نفسها.. رغم أن حركة الاحتجاجات المصرية لم تنته في اليوم الذي ربح فيه المؤشر، ولكن هذا هو أسلوب المضاربين المعتاد بالسوق السعودي؛ فالسوق يستجيب فعلياً لأي اضطراب سياسي، ولكن حتى لو استمر هذا الاضطراب فيما بعد فإن المؤشر يعتاد عليه، ولا يستجيب له.. وخلال هذه الاستجابة وعدم الاستجابة التالية يحقق «المضاربون المحترفون» أرباحاً غير عادية من وراء المضاربة على الاضطرابات السياسية، ولكنهم بالطبع يقومون بالشراء في عز الخوف، وهم يتحملون بذلك مخاطر استمرار أو تفاقم هذه الظروف السياسية؛ وبالتالي هم في الوقت نفسه معرضون لمخاطر عالية، نتيجة وجود احتمالات لتفاقم المؤثرات السياسية التي يضاربون عليها.. ومن المتوقع إن لم تتفاقم احتجاجات البحرين أن يُفتح السوق على صعود غداً السبت، وربما يكون بنقاط تعادل هبوط الأربعاء، وحتى لو تفاقمت - لا قدر الله - احتجاجات البحرين فإن السوق سيتفاعل من جديد سلباً ربما في اليوم الأول، ولكن بعدها يمكن أن يعاود الصعود كأرباح مضاربة على المؤثر السياسي من جديد.
المضاربة الوحيدة النافعة
رغم انتقادنا للمضاربات، وأنها تؤدي إلى أوضاع غير صحية للأسواق، إلا أن مثل هذه المضاربات أثناء الاضطرابات مفيدة في كثير من جوانبها؛ لأنها تؤدي إلى تماسك السوق، وعدم انهياره بشكل حاد.. فأكثر شيء يُطمئن المتداولين هو أن يجدوا من يشتري أسهمهم المعروضة للبيع؛ لأن عدم وجود طلبات هو الوضع الأكثر هلعاً للجميع، وبخاصة أن كل عرض بيع لا يقابله طلب شراء سيقود إلى عرض بيع بسعر أقل؛ وبالتالي يتسبب في انهيار تدريجي للأسعار السوقية للأسهم حتى رغم عدم وجود بيوع حقيقية.. ولكن دعنا نتفحص أعلى سهم خاسر يوم الأربعاء الماضي بالسوق السعودي، فسنجده هو سهم مبرد؛ حيث خسر 5.6 %، ثم يليه سهم شمس؛ إذ خسر 4.7 %، يليه سهم الوطنية إذ خسر 4.7 %.. أي أنه رغم وجود المؤثر السياسي إلا أنه لا يوجد من بين الأسهم الخاسرة (137 سهماً) سهمٌ هبط بالنسبة القصوى (10 %)؛ وعليه فإنني أعتقد أن غالبية الأسهم كان لها مناصرون أو مضاربون قادوا عمليات مضاربة للتجميع فيها في عز الهبوط، وإلا فكنا من المؤكد سنشهد أسهماً تخسر نِسَباً تصل إلى 10 %. هؤلاء المضاربون من المحتمل بقوة أن يربحوا النسب نفسها التي خسرتها هذه الأسهم عندما يجيء متداولوها لشراء الحصص نفسها بأسعارها نفسها قبل الأربعاء؛ وبالتالي فإن المؤثر السياسي يتسبب في أرباح غير عادية للمضاربين عليه، ولكن علينا أن نعلم أن من بين كل خمس مرات توجد مرة لا تصدق فيها توقعات وخطط المضاربين مهما كانت احترافيتهم. أما الجانب الثالث فهو أن جزءاً من هبوط الأسهم الجماعي كان بهدف تصحيح مسار الأسهم وجني أرباحها الطبيعي، خاصة أن العديد من هذه الأسهم حققت صعوداً ملموساً خلال الأيام الأخيرة؛ وبالتالي فإن هبوط الأربعاء تزاوجت فيه ثلاثة عناصر: جني أرباح طبيعي، تجميع للمضاربة ومؤثر سياسي.