حينما أردت قول الحقيقة لأحدهم ولأن هذا الأحد مجرد روح تحتاج على مدار الحياة ومختلف الأوقات والحالات إلى كلمات المديح والإعجاب والثناء، احتجت لفترة - ليست بسيطة - أبحث فيها عن أفضل طريقة لطرحها، ويبدو أن بحثي استغرق زمنًا غير قياسي مما دعا ملامحه إلى التجهّم ولسانه إلى التهجّم، استدركت تفكري، حدث هذا قبل أن أصارح فكيف إذا صارحت؟
«سكوتك قد طال «
عيناك غير راضيتين «
«أنتِ لا تفهمينني «
«الأمر لا يحتاج إلى كل هذا الوقت»
وعدة جُمل ألقاها على مسمعي، حينما كنت شاردة ذهنيًّا وأدّعي حضوري العقلي، أتريد الاستماع إلى الإطراء؟! ألأني من سيُطريك؟ أم لأنك تحتاج إلى الإطراء؟! مثل هذه الطريقة بالتفكير، خير ممثل للنماذج الدماغية السطحية والتي تعمل على أن تُجامَل فترضى! أعلم أنك تُجامِلني لكن لا مشكلة لدي؛ فخواء روحي يتطلب مُجامَلات فورية تقليدية حتى تمتلئ أو على الأقل حتى لا أسقط أمام نفسي وأمام عملي وأمام الجميع!
أتكذب على روحك أم عليّ! يا أنت؟!
أو - بطريقةٍ أخرى - الصراحة مؤذية، لذا، افهم ما أشتهي وجاملني! أرجوك! روحي هشّة حساسة لا تتقبّل الحقائق الجارحة!
من قال إن الحقيقة دائمًا مُؤذية؟ قاسية؟ جارحة؟!
من قال إن الحساسية تختص بأفراد دون أفراد؟!
المسافة بين المُجاملة و المُصارحة مسألة جدليّة لا تحلّ، تتعلق بالأشخاص المُجَامِلين والمُجامَلين بالدرجة الأولى، فإن كنت من الفئة الأولى فأنت ضعيف في تركيبك النفسي، شيء دفين بداخلك يعتقد بأن المُجاملة منفذ عبور إلى الطرف الآخر، أو أن الحقيقة - بحكم مرارتها - تحتاج إلى التحلية وهذا التحلية لا تكون إلا بالمُجامَلات!
أما إن كنت من الفئة الثانية فأنت تقريبًا كما كان ذلك الشخص الذي استفتحت به مقالتي، أو إما أنك غير قوي قوةً تمكّنك من تصحيح المفاهيم حول المُصارحة أو - بأسوأ الأحوال - غير شجاع شجاعةً تمكّنك من كبح جماح المُجامِلين!
مهما كان نوع العلاقة القائمة بينك وبين أيٍّ كان، ومهما كانت نظرتك نحوه و نحو تصرفاته، فالمُجاملة لا تلزمك حتى ولو حرّضتك الماديات واستدرجتك هشاشة الأنفس، ما يلزمك في الواقع هو طريقة فنية في تقديم الحقيقة، وفّر لها طريقًا آمنًا، ابعثها في طريقة بسيطة قدر المستطاع، كن لبقًا مهما ساءتك ردة الفعل، حافظ على هدوئك، اعمل على تفهّم العاطفة المصدَّرة والمُصدِّرة، تُرضي ضميرك وآدميتك، لا تضطرب وتندم حتى لو أزعجك منظر الطرف الآخر.
ليتنا نعي أن الصدق مُقترن اقترانًا أبديًّا بالمُصارحة و أن الفند بالمُقابل مُقترن اقترانًا أبديًّا بالمُجاملة، وأنه لولا هذا وذاك لما لُقّب رسولنا - صلى الله عليه وسلم - (بالصادق الأمين).
العاطفة صدق و العاطفة دون صدق لا قيمة لها، وإذا كنت تُجامل حتى في الأمور العاطفية فأنت غير صادق من الأساس في كنهها، على هذا يُمكن التسامح أمام المُجامِلين ماديًّا إن كانوا يستعينون بالمُجاملات لقضاء حوائج وظيفية بحتة على أن يُحسب هذا التسامح لضدهم، فبكل الأحوال المجاملة ليست طريقًا مُرضيًا لنيل المُرام، لكن لأن الصدق بطبيعته يستهلك وقتًا وجهدًا ومشقة ينفرون منه، نسينا أن نتذكر أن أولاء لا يجدون مُتسعًا لفرز عواطفهم و تصنيف علاقتهم وتقوية أنفسهم و ترقية طرقهم وإرضاء ضمائرهم أو على الأقل - حكّ رؤوسهم -!
نداء شخصي:
إذا كانت الصراحة جارحة - كما يزعمون -، فأنا أدعوك لتجريحي!