لا مفر من الاعتراف، بأن الرياضة السعودية قد أدخلت نفسها في طريق مسدود عجزت عن تجاوزه طويلاً، ورغم ما فعلته من دزدزة حائط يسد نهايته، حتى أطاحت بالجدار الساد، ليسقط في هاوية تختبئ خلفه، فتجد (الرياضة الخضراء) أن قدميها باتا على طرف حافة الهاوية التي سقط فيها جدار كان يسدد نهاية الطريق.
ومثل هذا الطريق، يسلكه - عادة - من لا يريد أن يعتمد على البوصلة، وهي هنا (العالمية) في الإدارة والتدبير.. وهذه (العالمية) تحتاج إلى معرفة ومعارف تؤمن بها وسيلةً ومنهجاً للعمل يواكب ما يتجدد ويستجد ويتطور في زمن الرياضة العولمية التي حتماً.. تقود أصحابها إلى طرق سالكة لا يعيقها عائق ولا يُخبئ نهاياتها.. جدار مسدود، يخفي خلفه.. هاوية.
لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، ف لله المنّة، توجد وتتواجد في كل العالم تجارب ناجحة، قادت أصحابها إلى نجاحات مثمرة، نحو رياضة متطورة من الأوجب أن نأخذ بها ونقتدي بها، ونترك ضرعاً جفَّ.. ولم نفطن منه.
وبلوى الرياضة السعودية، أنها تُستمد من منهج تقليدي تجاوزته رياضة حقبة العولمة المعتمدة على العلم والعالمية وسيلةً ومنهجاً وعقلية في ترتيب وتدبير وإدارة شؤونها، فظلت الرياضة السعودية رهن نواميس مجلوبة من حقبة رياضة الدهام الارتجالية والمعتمدة على فراسة العمل، حيث إستراتيجية تحدد وتستشرف خطوات القادم القريب، والقادم البعيد والمتغير، وكل ذلك نتيجة غياب.. العلمية الإدارية.
وحتى لا نمارس جَلْد الذات، وعزف الولولة، والنياح على الزمن المسكوب، فلا مفر من فتح الصفحة لجديد، وأن نزداد حماساً وحرصاً وإخلاصاً في رسم ملامح المستقبل من إعادة صياغة الحاضر - الآن -.
أولى خطوات فعل ذلك..، أن ندرك ونقتنع ونبدأ في الشروع بالمنجز التاريخي الذي تأخر كثيراً، أعني (تأسيس رياضة سعودية.. جديدة) أكثر حداثة وامتلاءً بالعالمية منهجاً ووسيلة وكوادر، وهو ما يفرضه علينا المستجد والجديد في حقبة الرياضة العولمية الراهنة التي لا خيار لنا في الفرار من حتمية واقعها.
والتأسيس الجديد، يرفع شعار: (دعونا نغيّر كل شيء، حتى لا يتغيّر علينا شيء).. والمتأمل فيما آلت إليه - مثلاً - أحوال ومكانة وسمعة وهيبة ومنجز الكرة السعودية سيتأكد أننا لو أحدثنا التغيير المواكب للمتغير في عوالم الكرة لما حدث تغيُّر في مكانة وقيمة وهيبة ومنجز الكرة السعودية في ميدان منافسات آسيا.. مثلاً.
عندما مر الملك عبدالعزيز بأحد جنبات قصر المربع وهو تحت التشييد، لفت نظره زخرف جمالي على جدار، وقد نُقش عليه بيت الشعر الذي يقول:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل مثل ما فعلوا
أشار الملك العبقري المؤسس للدولة الحديثة على البناء المنهمك في تزيين زخرفته الشعرية أن يُعدل الشطر الثاني باستبدال كلمة (مثل) ب(فوق).
ولهذا التغيير دلالته الهامة، أترك تجليها لفطنة القارئ الكريم، وكنت قد كتبت عنها في مقالة سابقة، وقد استعرضت فيها تعليق مفكرنا الكبير عبد الله الغذامي على هذه الواقعة، يمكن لمن يريد الاستزادة والمعرفة أن يقرأها في كتابه القيم (حكاية الحداثة).
إذاً.. كم نحن بحاجة إلى تأسيس جديد (فوق) ما أسسه السابقون لزمانهم وظروفهم واحتياجاتهم.
وإعادة التأسيس تعني أن نعيد هندسة المنظومة الرياضية من جديد، خاضعين للحقيقة الرياضية البديهية: بناء (المستقبل) يكون في (الحاضر).. لذا نجد في الدول المتطورة رياضياً والمؤمنة بالعمل العلمي وليس الارتجالي.. نجدها تعد لحدث اليوم.. منذ عشرة وعشرين عاماً سابقاً.
إعادة التأسيس تعني رسم خارطة جديدة للرياضة السعودية بدءاً من (الأهداف الرئيسة) التي تحدد غايتنا من الرياضة وما نريد أن نحققه، وكيفية فعل ذلك، لا أن تكون (أهدافاً) تستخدم للزوم اللغو الخطابي المناسباتي.
إعادة التأسيس، تعني ضخ العالمية في تكوين منظومة الرياضة السعودية أفقياً ورأسياً.. وأن يكون المعيار العلمي هو بوابة الدخول إلى ورشة العمل الرياضي على مستوى المؤسسة الرياضية المركزية وفروعها، وعلى مستوى الأندية والاتحادات.
إعادة التأسيس، تعني الإسراع في خصخصة الرياضة السعودية عاجلاً، وبالذات الأندية الرياضية التي لا بد أن تكون لها استقلاليتها الاعتبارية والحقوقية والقانونية ككيانات رياضية.. ضمن القطاع الرياضي الأهلي، وإنهاء تبعيتها للدولة، التي تكتفي بالدور الرقابي والتنظيمي.. كما هو الحال في دول العالم المتقدمة، وحسب ما تفرضه وتلزم به اتفاقيات التجارة الدولية والاتحادات الرياضية الدولية.. التي وقَّعت عليها المملكة.
لا يجب أن نقف عند المنطقيات التبريرية المستهلكة التي يروِّجها أصحاب المنفعة من عدم خصخصة الأندية من صعوبة قدرة الأندية على تولي هذه النقلة.
وخصخصة الأندية تعني في جانب آخر، وبعيداً عن الأندية (الراهنة) الموجودة الآن، تعني إطلاق حق الجميع في تأسيس الأندية الرياضية سواء هيئات أو مؤسسات عامة وخاصة وللأفراد، وننهي مرحلة احتكار الدولة للأندية الرياضية وللقطاع الرياضي لكوننا القلائل في العالم الذين ما زلنا نفعل ذلك.
إعادة التأسيس، تعني الفصل ما بين تكوينات المنظومة الرياضية (التشريعية والتنفيذية والقضائية).
إعادة التأسيس تعني أن يكون للقطاع الرياضي والشبابي مركز للبحوث والدراسات الرياضية والشبابية تضيء وتستقرئ المستقبل وترصد الحاضر، وتكتشف الاحتياجات والواجبات، وتُعالج السلبيات وتدعم الإيجابيات، تحلل الظواهر والمستجدات. لا يمكن - فعلاً - تصوُّر قطاع يُعنى بالشباب والرياضة بدون مركز يفكر ويحلل ويستقرئ ظواهره وشؤونه وشجونه.. ومستقبلياته، إنه بمثابة العين والأذن والعقل لأية تكوين اجتماعي وتنموي وتربوي وترفيهي له علاقة بكل المجتمع.
إعادة التأسيس تعني تجاوز الاهتمام الجزئي إلى الكلي.. تجاوز دائرة الاهتمام الأحادي الكروي إلى دائرة رياضة المجتمع كله في ألعابه المختلفة، ونشاطاته المتنوعة، وأجياله من الطفولة إلى الكهولة، للرجال والنساء، كلهم لهم حق وحقوق ممارسة وتواجد منظومة رياضية تحتويهم وتعتني وتهتم وتشغل جهودها لخدمتهم وتحقيق حقهم الرياضي لأبدانهم وصحتهم وترفيههم.
وهذا يعني، تطوير الهيكلية التنظيمية للمؤسسة الرياضية بحيث تشتمل على إدارات متخصصة برياضة المجتمع المستجدة، متجاوزة هيكليتها الراهنة (التقليدية) التي تجاوزها الزمن، وما حدث في بنية المجتمع السعودي التنموي من تحولات ومتغيرات واحتياجات، فالهيكلية الحالية صُممت على أساس متطلبات واحتياجات وظروف مرحلة.. حتماً قد تجاوزتها تطورية المجتمع السعودي في كل اتجاه. فمرحلة اليوم تحتاج إلى أن تكون المؤسسة الرياضية معنية مثلاً برياضة الأطفال، ورياضة الكبار، والرياضة النسوية، والألعاب الترفيهية، والهوايات الرياضية، وغيرها من صنوف رياضية يحتاجها المجتمع السعودي.. الجديد، المختلف عن ذاك المتواجد منذ ثلث أو نصف قرن حين هُندس الهيكل التنظيمي والاختصاصي للرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي لا مفر من تحويلها إلى مؤسسة عامة للرياضة والشباب، ذات أهداف، ومهام جديدة مستجيبة للوجود الرياضي في المجتمع السعودي الجديد.. وقادرة على مواكبة متطلبات ذاك المجتمع الموجود في المستقبل.
إعادة التأسيس، تعني: غربلة حال وأحوال المكاتب الرئيسة والفرعية للرئاسة العامة لرعاية الشباب، وتجاوز وضعها الحالي التعيس، بحيث تتحول إلى أجهزة إدارية متكاملة مسؤولة عن الرياضة والشباب في مستوى مناطقها ومحافظاتها، لها خططها وبرامجها وميزانياتها المستقلة، وضخ الكفاءات العلمية المؤهلة في أجهزتها بحيث تكون قادرة على تحقيق الإستراتيجية الرياضية المحددة والواضحة والقادرة على مواكبة المستجد لتحقيق نهضة رياضية منشودة.
والراصد لأحوال المكاتب الرئيسة والفرعية الحالي، سيُوقن أن ما آلت إليه الرياضة السعودية يبدأ ويبتدئ من هذه المكاتب الضعيفة في كفاءاتها والفقيرة في إمكانياتها وتجهيزاتها، والرابضة في نمطية تقاليدية إجرائية تعود إلى حقبة الدهام، حيث غياب العالمية وطموح التطور والتطوير وأخذ البادرة في التجديد والإبداع وتجاوز العشوائية والارتجالية في إدارة العمل.
إعادة التأسيس، تعني: فتح الأبواب والنوافذ والعقول لاستقطاب الكفاءات الأكاديمية المتخصصة في علوم الرياضة والإدارة والمحاسبة والاقتصاد والقانون للعمل في إدارات العمل الرياضي على مستوى الجهاز المركزي الرياضي وفي الاتحادات والأندية الرياضية.
ولذا لا بد من إعادة تصنيف الوظائف في القطاع الرياضي على أساس يليق بالمرحلة الجديدة والمتجددة ليواكب متطلبات العمل في المؤسسة الرياضية.. المأمولة.
إعادة التأسيس، تعني بداية ونهاية.. ضخ العالمية في شرايين العمل الرياضي في قطاع الشباب والرياضة السعودية أفقياً ورأسياً، ووضع معيار علمي في اختيار وانخراط من يشغل الوظائف الإدارية والفنية فيه.. ففي ذلك عون على تحقيق نهضة رياضية سعودية قادرة على تحقيق أهداف التنمية السعودية الطموحة التي تحققت نجاحاتها في معظم قطاعات التنمية الخضراء بالدليل والبرهان منجزاً وواقعاً.
حكمة.. تأملوها
قال الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل.
فأما الرجل الرجل فذو الرأي والمشورة.. وأما الرجل الذي هو نصف رجل، فالذي له رأي ولا يشاور.. وأما الرجل الذي ليس برجل، فالذي ليس له رأي ولا يشاور.
حتى لا ننعي المنافسة الرياضية!!
ما حدث في لجنة الانضباط.. يدعو إلى الأسف، ويكفي أنه كشف للجميع خطورة غياب المعيارية العلمية التخصصية في اختيار الكفاءات العاملة في اللجان الرياضية، حيث أدى هذا الغياب إلى تحول كثير من هذه اللجان إلى حشد لطواقم المشجعين وكتائب الأمية الرياضية.. لتتسبب في إفساد ونحر الكرة السعودية من خلال افتقاد المنافسة الرياضية لأهم وأغلى شروطها (الثقة بحياديتها) أي ضمان (المنافسة العادلة.. والنظيفة) للجميع.
آن الأوان لتنظيف أجهزة اتحاد الكرة من أمثال (عنتر.. شايل سيفه) الذي ابتكر لنا ما يُمكن أن نصفه ربما ب (الإرهاب الرياضي) من خلال ما مارسه من ممارسات لا تليق بمن يُفترض أن يكون على قدر من الحياد والموضوعية والعقلانية والانتماء إلى نفع رياضة وطنه الأغلى من أي أمر.. آخر.
وعلى ذكر اللجان.. على الجميع أن يلتفت إلى شطر لجنة التحكيم.. وتأمُّل استفهام يدحرج كرة ثلج - وفي الكرة السعودية منها! - وهي بخصوص أعضاء اللجنة.. ذوي الميول المتشابه والواحد، وسجلهم التاريخي.. الذي لا يمكن نسيانه أو تناسيه.. أو مكيجته! و.. (الأيام بيننا)!!
الإعلام الأصفر.. الجديد
شاشات، وإذاعات، لنافذين ومتخمين رأسماليين.. انتشرت حوالينا، وعلينا.. تُمارس ترويج السطحية والأمية الرياضية بكل جد واجتهاد وأموال ونفوذ.. تمارس تأجيج الشارع الرياضي، ووأد قيمه الرياضية.. بل.. والتكريه بالرياضة السعودية وتشويه سمعتها، من خلال ممارسات تُحسب في خانة الإعلام المريض.
مذيعون ومعدون كانوا بها مخبرين صحفيين بليدين.. تحولوا فجأة إلى مهندسين للإعلام الرياضي.. يا للعار، حتى باتت المسألة مسألة (مقاولات إعلامية) يقودها مقاولون للإعلام الأمي.
أحد طواقم هذه الظاهرة، إذاعة لنافذين متخمين.. تحولت إلى بوق للإعلام الأصفر السطحي، وعجَّت بالمذيعين الذين يعانون من أنيميا في معارف اللغة وأساليب الإلقاء والمحادثة في حدودها الدنيا على الأقل!! ناهيك عن شح مخزونهم المعلوماتي والمعرفي من الكرة والمسابقات الرياضية.. أما المحللون والمعلقون فهم حشد من لاعبي ومعارف الفريق الغالي.. ومن يهتف له بالروح.. بالدم.. و.. بالفم!
كما قال مثقف سعودي كبير: هذه ظاهرة سرعان ما ستزول.. فما هي إلا فقاعة رأسمالية سلبية.. ستنفجر في وجه صناعها!