زارني مؤخراً صديق وقد كسا الوجوم محياه، فقلت ما بك، عسى أن يكون في الأمر خيار، قال على عجل: ومن أين يأتي الخير إذا كان من ظننت فيه الخير يضمر لي السوء، نيةً وتخطيطاً وتنفيذاً! ثم روى قصته مع مواطن يدَّعي القدرة على استثمار رؤوس الأموال في مشروعات عقارية رابحة، فوثق صاحبنا ومن معه به كما فعل سواهم من قبل، ليكتشفوا ذات يوم أن المستثمر المزعوم (يخطط) لإنهاء الشراكة من طرف واحد، وحين طالبه أطراف الشراكة أن يعيد لهم رؤوس أموالهم، أخذ يماطل ويمد ولا يفي، ثم يختفي فترة ويظهر ليعود إلى الاختفاء.. وأيقن (المستغفلون) أخيراً أن صاحبهم يعمل ليل نهار على (تصفية) أملاكه وارتباطاته في المملكة قبل (الهجرة) إلى بلد أمريكي بعيد النوى ليعيش هناك مع امرأة اقترن بها من مواطنات ذلك البلد!
هنا، أسقط في يد الصديق ومن معه، وباتوا كغريق يبحث عن قشة تعصمه من الماء! لكن لم يخب شيء من الرجاء، حين وجدوا تجاوباً من لدن أكثر من جهة معنية لمساعدتهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوقهم في ذمة ذلك المستثمر الأشر قبل أن يغادر البلاد.. ربما بلا رجعة!!
إن موقفاً كهذا ليس بجديد ولا غريب طالما وجد بين البشر محتال وضحية، يربطهما في البداية صراط من (حسن الظن) يصل حد الغفلة أو التغفيل. وقد كتبت عن هذا الموضوع قبل أكثر من عقد من الزمان نبهت فيه إلى مثل هذه المواقف المؤسفة التي يذهب ضحيتها (أبرياء) أغشاهم بريق المال وسراب الربح السريع، فخاضوا ويخوضون تجارب تبدأ بابتسامة من الأمل والتفاؤل المطرز بالوعود، لتنتهي بأرق وفزع وخيبة أمل يندى لها جبين العاقل من البشر، ولو أوتي أولئك (الأبرياء) حظاً من رجاحة العقل وسداد الرأي ويقظة البحث والسؤال والتأمل ما آلوا إلى ما آلوا إليه، ولما وجد المحتال دربا يسلكه متسللاً إلى أفئدتهم أولاً قبل جيوبهم!
أجدها الآن فرصة لأعيد نشر مقتطفات مما سبق أن كتبته حول الموضوع تكريساً للفائدة والتماساً للعبرة، فالاحتيال على عقول البشر وأموالهم عمل إجرامي، وإن تعددت صوره وتباينت أسبابه!
قلت فيما قلت
كم من مرة سمعنا أو قرأنا عن محتالين، في بلادنا وخارجها، استغلوا سذاجة بعض المواطنين، من رجال ونساء بادعائهم القدرة على (استثمار) الأموال بعوائد وفوائد تتحدى الخيال، وبعض أولئك الأدعياء يلبسون مسوح الدين، ليوهموا ضحاياهم بصدقيتهم، ثم يأتي يوم.. يفيق فيه (المغفلون) أو الغافلون أو الغارقون في سبات الثقة، فلا يجدون ربحاً في أيديهم ولا رأس مال، فيما يتوارى المستثمر (الثعلب).. فاراً بجلده وبأموال الأبرياء خارج الحدود، وتبدأ بعد ذلك ملحمة شقائهم ومعاناة أجهزة الأمن و(الإنتربول) خاصة، في ملاحقة المستثمر النصاب من بلد إلى آخر حتى يقع في شباك العدالة!
وبعد
فإن النظام لا يحمي الغافلين ولا المستغفلين أو المغفلين، وتلك مقولة صالحة في أكثر من زمان ومناسبة ومكان، فليس من العقل ولا العدل أن (يمكن) صاحب مال أو ولي حرز نصاباً أو محتالاً مما في حوزته، طيبة وغباء، أو أن يستسلم لمقولات كذاب أو دجال أشر، يزعم أنه يجلب نفعاً أو يدفع ضراً، فإذا وقع أحدهم في الفخ.. راح يندب حظه ويعتب ويلوم، وهو أولى باللوم ومحاسبة النفس، ناسياً أو متناسياً أن هناك أكثر من قناة مالية مأمونة لاستثمار الفائض من المال، وبأسلوب يخضع لرقابة تراكمية داخل الجهاز وخارجه.. أما المتلاعبون بثقة الناس وعقولهم وجيوبهم.. فما جزاؤهم إلا عقاب صارم وبئس المصير!